خالد بن حمد المالك
كانت فترة زمنية قصيرة، لكنها بنتائجها، وآثارها، وما تخللتها من اتفاقيات وتفاهمات، كبيرة، وغنية، وذات أثر مهم على مستوى العلاقات الثنائية والجماعية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكل من تابع زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ورصد فعالياتها، وتعمق في نتائجها، وأهدافها، وسبر ما يمكن أن يكون عليه مستقبل دولنا، وفقًا لما لهذه الزيارة من أهمية، لا بد وأن يكون قد أدرك لماذا هذه الزيارة؟ بأبعادها: السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والعسكرية، وتعرّف من خلالها على التحول في العلاقات إلى ما يلبي مصالح الدول الشقيقة.
* *
بدأت زيارة الأمير محمد بن سلمان بسلطنة عُمان، وتعمّد جلالة السلطان هيثم سلطان سلطنة عُمان أن يكون على رأس مستقبلي سمو الأمير في المطار، للتأكيد على محبة المملكة، وتقدير السلطان لولي العهد، وأن العلاقات بين بلدينا من العمق والقرب، بما لا يحكمها (بروتوكول) ما يسمى بتجانس وتوافق مسميات مراكز القيادة، مؤكدًا جلالته بهذا الاستقبال في المطار أن العلاقة بين المملكة والسلطنة أبعد بكثير من حيث صلاحيتها وعمقها وتاريخها من أي كلام يخالف ذلك.
* *
ومثلما بدأ ولي العهد زياراته بأن تكون سلطنة عُمان المحطة الأولى لزياراته للدول الخمس، فلا بد من التذكير بأن جلالة السلطان هيثم بن طارق قد اختار المملكة هو الآخر لتكون أول وجهة له في زياراته الرسمية إلى خارج السلطنة في يوليو 2021م ليظهر بذلك مكانة المملكة وملكها وولي عهده والشعب السعودي لدى جلالته ولدى الشعب العُماني الشقيق، وهو ما ظهر واضحًا أيضًا من خلال الاستقبال الفخم للأمير محمد في سلطنة عُمان، وكان التفاهم بين جلالته وسموه، وتطابق وجهات النظر، واضحًا من خلال البيان المشترك، وما صاحب الزيارة من توقيع لعدد من الاتفاقيات، وحديث عن تأسيس مجلس التنسيق السعودي - العُماني، وصولاً إلى تعزيز العلاقات في الشؤون العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية.
* *
كانت الزيارة فرصة لافتتاح الطريق البري المباشر الذي يربط البلدين الشقيقين ببعضهما بعضاً، وهو شريان حيوي مهم يبلغ طوله 680 كيلو مترًا، وسوف يسهل حركة نقل البضائع من المملكة مرورًا بالطرق البرية داخل السلطنة، ووصولاً إلى موانئها، ما يعني أن البضائع السعودية والعمانية سيكون نقلها إلى العالم أسهل بكثير مما كان عليه قبل إقامة هذا الطريق، وأن افتتاحه يأتي مع التوقيع على عدد من الاتفاقيات باستثمارات مليارية، تشمل قطاعات النفط والطاقة والصناعة والتعدين وغيرها، وهو ما يعطي أهمية لهذا الطريق، حيث ستتحول الموانئ العمانية إلى منفذ للصادرات السعودية إلى العالم.
* *
الملاحظ في زيارة سمو ولي العهد لعُمان، وقبلها زيارة جلالة السلطان للمملكة، أن هناك تناغماً في الأفكار والرؤية والسياسات، وأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وأخاه جلالة سلطان عُمان هيثم بن طارق حريصان على أن تتحول العلاقات الثنائية بين بلدينا لتكون نموذجًا يُحاكى، ومصدر إلهام للدول الخليجية الأخرى، فقد ظلت هذه العلاقة على امتداد التاريخ تتسم بالدفء، والتفاهم، وتغليب مصلحة البلدين، وتجنب كل ما يؤثر سلبًا عليها، والحرص على المراجعة، والتمحيص، من حين لآخر، كلما كانت هناك مستجدات تتطلب ذلك.
* *
وما يمكن أن يقال عن زيارة الأمير محمد بن سلمان لسلطنة عُمان، أنها زيارة ناجحة بكل المقاييس، وأنها بتوقيتها، وظروفها، وأهدافها، تعد انطلاقة جديدة في العلاقات الثنائية، وامتدادًا لما سبقها من تفاهمات وتطابقات في الرؤى على امتداد التاريخ بين بلدينا، وسنرى في المستقبل الآثار الإيجابية لهذه الزيارة، وما يمكن أن تحققه من مصالح مشتركة لكل من المملكة وسلطان عُمان.
- يتبع -