محمد سليمان العنقري
في مؤتمر البترول العالمي في هيوستن الذي عقد قبل أيام قال الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون إحدى أكبر شركات الطاقة بالعالم مايك ويرث «منتجاتنا تجعل العالم يعمل»، فما دار من نقاشات في هذا المؤتمر الذي شارك فيه خبراء ورؤساء شركات في مجال صناعة النفط والغاز كشف عن حقيقة أن كل التسارع للانتقال للطاقات المتجددة والنظيفة عموماً لن يحقق أمن الطاقة، وأنه لابد من الاعتراف من قبل من يتبنون نهج الانتقال لتلك الطاقات بعيداً عن الوقود الأحفوري بأن ذلك يحمل مخاطر كبيرة ستؤثر في أمن الطاقة واستقرار امداداتها، ويؤدي لاضطرابات اقتصادية واجتماعية عالمية في المستقبل المنظور، وأنه لابد من إعادة التفكير بالمستقبل من حيث التخطيط لمزيج الطاقة بواقعية حتى لا تحدث صدمات مستقبلاً يقل فيها العرض عن الطلب نتيجة ضعف الاستثمار بالوقود الأحفوري نتيجةً لتبني بعض السياسيين بالغرب ومناصريهم لقضايا المناخ وتركيزهم على أن الحل الابتعاد عن النفط والغاز والفحم بنسب كبيرة خلال العقدين القادمين، لكن أزمة الطاقة التي عصفت بأوروبا والصين بتوليد الكهرباء أوضحت خطورة التسارع الذي تم بالانتقال للطاقة المتحددة الرياح والشمس والتي لا يمكن التحكم باستقرار امداداتها لأنها تتأثر بعوامل الطقس والذي لا يمكن التحكم به، فالعالم حتى يتوازن فيه الطلب والعرض بإنتاج النفط لابد أن يتم ضخ سنوياً ما يزيد عن 530 مليار دولار استثمارات سنوياً حتى العام 2030 م لزيادة الإنتاج، بينما يشهد العالم تراجعاً كبيراً بالاستثمارات حيث تراجعت لقرابة 340 مليار دولار ومرشحة للانخفاض أكثر في المستقبل مع السياسات التي تتبعها الدول المستهلكة في أوروبا وأميركا تحديداً، ففي هذه الأزمة ظهر تباين مواقفهم حيث دعوا لزيادة إنتاج النفط لخفض أسعاره في الوقت الذي ينادون فيه بضرورة خفض الاعتماد عليه لتقليل الانبعاثات الكربونية، علماً بأن هذه الانبعاثات لا تصدر من إنتاج النفط الخام بل هي من الصناعات التي تتمركز بدولهم وغيرها من الاستخدامات في مجال النقل وغيره. هذا بالإضافة لعامل مهم أن هذه الانبعاثات ليس النفط والغاز واستخداماتهما المسؤولان الوحيدان عنها بل هناك مسببات أخرى تفوقهما، إذ لابد من أن تكون الحلول شاملة لكل المصادر، وذلك برفع كفاءة الاستخدام الأمثل بالدرجة الأولى وتسخير التكنولوجيا لتحقيق ذلك، لكن بكل تأكيد ما يهم قطاع الأعمال والمستثمرين والمستهلكينهو توفر الطاقة وتكلفتها، ولذلك لابد من الحفاظ على ما تحقق من نمو بالاقتصاد العالمي والمستهدفات القادمة لاستدامة هذا النمو من خلال تحقيق أمن الطاقة والتعامل بواقعية في تشكيل مزيج الطاقة. فالنفط والغاز ما زالا يمثلان قرابة 70 بالمائة من استخدامات العالم في الطاقة والصناعات التي تدخل المشتقات المنتجة منهما في العديد من الاستخدامات البشرية، ولذلك فإن التحول السريع عنهما للطاقات النظيفة والمتحددة لن يكون سهلاً ومحفوف بمخاطر كبيرة إن لم يكن مستحيلاً، ففي المدى القريب تحيط بأسواق النفط والغاز تحديات عديدة لتلبية الطلب مع التراجع الذي حدث عالمياً بالاستثمارات خصوصاً من شركات النفط الأوروبية والأمريكية، فالنمو الاقتصادي في العالم يتسارع للوصول للتعافي الكامل بعد الركود الذي تسببت به جائحة كورونا بالإضافة لمخاطر جيوسياسية يزداد التصعيد فيها، مثل أرمة روسيا مع أوكرانيا وتهديد أميركا وأوروبا بتطبيق عقوبات على روسيا إذا أقدمت على عمل عسكري ضد أوكرانيا، فقد تشمل العقوبات قطاعي الغاز والنفط الروسيين وهي من أكبر البلدان تصديراً لهما، بالإضافة لما يرشح من معلومات عن عثرات كبيرة تعترض التوافق في ملف المفاوضات النووي الإيراني وتهديد واشنطن بتشديد العقوبات في حال فشلت المفاوضات وغالباً سيكون النفط أولى هذه العقوبات، فما تأثير مثل هذه الأحداث على أسعار النفط والغاز إذا حدث السيناريو الأسوء في هذين الملفين، وهل العالم جاهز لقفزة كبيرة بالأسعار للنفط والغاز في مثل هذه الاحتمالات؟ أما المدى المتوسط والبعيد فما يظهر من ملامح اتجاهات السوق النفطية هو تقلص نمو المعروض عالمياً قياساً بنمو الطلب نتيجة نقص الاستثمارات، وهو ما سيؤدي حتماً لارتفاع كبير في الأسعار، سيناريوهات انحاهات أسواق النفط تحديداً ومستقبل أسعاره بدأت جميعها تميل لصالح ارتفاع في الأسعار سيلازم الاقتصاد العالمي لسنوات لن تكون قصيرة إذا لم يعد النظر بسياسات مزيج الطاقة من كبار المستهلكين في الغرب الذين يسارعون الخطوات للانتقال للطاقة المتجددة دون النظر للتحديات والمخاطر المترتبة على ذلك، فلا بد من التعامل بواقعية مع حققة أن النفط والعاز سيبقيان على الدوام ولعقود طويلة الأساس في تحقيق أمن الطاقة عالمياً وصمام الأمان لتشغيل الافتصاد العالمي.