رمضان جريدي العنزي
انتشر في الآونة الأخيرة كثير من مقاطع الفيديو التي تظهر بعض المهايطين وهم يسرفون ويبذرون ويتباهون بالنعم، في استعراض مقيت، وعلى أشكال مختلفة، وابتكارات جديدة، تحت اسم (الكرم)، والكرم منهم براء براءة الذئب من دم يوسف، لقد أسرفوا في الطعام والشراب، وبالغوا في الحفاوة الكاذبة، ولغوا كثيراً في الكلام، وتفننوا في الإخراج والسيناريو، لقد شوهوا بأفعالهم القاصرة المعاني السامية للكرم، حتى بلغت المبالغات السفه والجحود والكفر بالنعمة، لقد تطاولوا كثيراً في هذا الأمر وتمادوا، وكل يوم يظهر لنا مهايطون جدد، بأشكال وأعمار وأحجام وطقوس ومسرحيات مختلفة ومتنوعة، حتى في أحجام (الصحون) طولها وعرضها وارتفاعها تفننوا وبالغوا، يبتغون من وراء ذلك المدح والتطبيل والسمعة، والفلاش والتصوير والبث والنشر، أعمال فيها الكثير من العجب والنفاق والرياء والدجل، لقد تشبث هؤلاء بالمظاهر بعد أن انعكست عندهم الموازين، لقد توهموا القوة في المال الذي يملكونه، أو الذي (استلفوه!) إرضاء لشهواتهم المريضة، وما فكروا قيد تفكير بسيط بأن هذا المال هبة من الله جل في علاه، وهو عرضة للتقلب والزوال، إننا حينما نتأمل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، نجد أنها بسيطة وبعيدة كل البعد عن التكلف في الأقوال والأفعال والمعيشة، إن إظهار الكرم بهذه المسرحيات العبثية الواهنة الضعيفة تدل دلالة واضحة على الشخصية المهزوزة للفاعل وهنه وهشاشته، فقط يريد الشهرة وإن كانت بطريقة هزلية رخوة يكشفها الصغير قبل الكبير، والمجنون قبل العاقل، والسفيه قبل الحكيم، إن مثل هذا يركض وراء سراب الشهرة البعيد، وبريقها اللامع، ليس إلا، ولو على حساب القيم والدين والأخلاق، انه يبحث عن شهرة كاذبة ليكون اسيراً لها، انه ركض كاذب، ومفاخرة رمادية، لقد انزلق المهايطون انزلاقاً فجاً في هذا الطريق السيئ، تباهوا وتفاخروا واستعرضوا استعراضات مخيفة نسأل الله السلامة منها ومن تبعاتها، لقد تمادوا في الدعايات الفارغة لأنفسهم، وفق مظاهر خداعة، وأساليب منفرة، وحبكات تمثيلية واضحة، تحقيقاً لشهواتهم في الضوء والشهرة، إن صون النعمة وحفظها حمداً وشكراً من أوجب الواجبات، إن المهايطين بالنعم يحسبون ما عندهم يبقى ولا يزول، ثابتاً وغير متغير، وما علموا بأن الله قادر أن يزيل هذه النعم بلمح البصر، فهو الذي أعطاهم، وهو القادر على أن ينزعها منهم، إن قيمة الإنسان الحقيية هي بعمله الصالح، وإسهاماته في الحياة، وإحسانه وبره وعطائه وتفقده للفقراء والمساكين واليتامى والأرامل، وليس بما يملك من متاع الدنيا، لقد أعطى الله الناس الكثير، لكن البعض منهم أساء وكفر وخرج عن المألوف، واستبد به الهوس المغلف بغطاء واهن رقيق، فيا أيها المهايطون، رفقاً بالنعم قبل أن تكونوا سبباً في زوالها، فليتكم عوضاً عن هذا العبث أن تحمدوا الله وتشكروه وبالتالي تهتدوا، ففي الحمد والشكر والهداية تدوم النعم، وفي الهياط والتمثيليات المسرحية والتهويل الكاذب، قد ينام أحدكم على طمأنينة، ويصحو على إفلاس، فلا خير عنده ولا نعمة، فيا عشاق المظاهر الزائفة، والفشخرة الكاذبة، الحذر الحذر من المقت والسخط. قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.