عبد الله سليمان الطليان
لا شك أن الإنسان خُلق في هذه الحياة بدون عبث، وهذا مذكور في القرآن الكريم في قوله تعالى (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا)، في تفسير القرطبي لتلك الآية (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا): أي مهملين كما خلقت البهائم، لا ثواب لها ولا عقاب عليها، شبَّه القرطبي الإنسان بالبهيمة التي لا عقل لها، هذا العقل الذي يتميز به الإنسان عن سائر الكائنات الحية التي خلقها الله، جعله يبني به حضارة مختلفة في تكوينها وأشكالها منذ نشأته على هذه الأرض.
راح هذا الإنسان بفكره يبحث كيف يطوِّع حياته لكي يعيش حسب رغباته وأمنياته وأطماعه المختلفة، التي بعضها إيجابي وبعضها سلبي، وإن كان الأثر الإيجابي هو الأكثر تأثيراً عبر البناء والعلم والثقافة المتعددة والمتنوعة التي زادت من قدرته على التكيف مع المصاعب والمشاكل التي تواجهه في هذه الحياة، كل هذا تم بفعل العقل.
أحياناً نرى هذا العقل مغيباً بشكل مخجل عند البعض، حيث لا ترى تفاعلاً حقيقياً مع واقع حياته، ثقافته تنحصر في غذاء جسده دون غذاء فكره.. كان الفيلسوف برتراند راسل نصيراً للعقل على الخرافة، يرى في العلم الركن الأساسي للحضارة الذي يقتلع من الإنسان كل ما تخلَّف في فطرته من الحياة الحيوانية الأولى والتي تملؤه بالرغبة الجامحة وبالشر والعدوان.
يقول ليونارد دافنشي (يبدو لي الناس ذوو الأخلاق الدنيئة والشهوات الحقيرة أنهم غير جديرين بهياكل جسمانية جميلة ومعقدة كالناس ذوي الذكاء الحاد والتأمل البعيد، إذ يكفي لديهم كيس وبفوهتين: أحدهم لتلقي الطعام، والآخر لقذفه بعيداً لأنهم ليسوا سوى ممر للطعام وأحواض لامتلاء الماء، فهم يقتصرون في الشبه بأولئك الناس على الوجه والصوت، بينما هم في كل الأشياء أسوأ من الحيوانات المفترسة، في مجتمعنا تبدو تلك الصورة واقعية ومستشرية على نحو ليس بكبير، ولكنه مؤثر عبر الكثير من المواقف المباشرة أو المرئية، في لقاء أو اجتماع أو مناسبة التي لا تخلو من يحمل هذه الثقافة بدعوى (لا تشغل مخك)، يجب عليك الاستمتاع بوقتك إلى ما لا نهاية وفي أي مكان وزمان، ترى صاحب هذه الثقافة يفتقد إلى أبسط معاني اللغة الرصينة في الكلام، يضاف إلى هذا وهو الأهم غياب الحكمة التي تضيع مع الصفاقة والعي والخطل، وكل هذا نتاج عدم تنمية العقل بثقافة آداب الحوار والحديث.
حكمة: إذا امتلأت المعدة خرست الحكمة وماتت الفكرة.