د.معراج أحمد معراج الندوي
سجل التاريخ صفحات مشرقة من الحضارة الإسلامية على أرض الهند زهاء عشرة قرون، وفي هذه الحقبة الطويلة كان اهتمام المسلمين الهنود بالثقافة العربية والإسلامية عظيماً، حيث استطاعوا تقديم إسهامات جليلة في مضمار الدراسات العربية والإسلامية.
كانت للعرب قبل الإسلام علاقات تجارية بحرية مع الهند بما فيها منطقة البنغال، واستمرت تلك العلاقات بعد الإسلام، وكان للتجار العرب المسلمين دور كبير في حمل رسالة الدعوة إلى تلك البلاد، فوصل الإسلام إلى سواحل البنغال عن طريقهم منذ أوائل القرن السابع الميلادي، وأخذ ينتشر بالتدريج في أرجاء البلاد الأخرى.
لقد أسس المسلمون الأتراك والأفغان سلطنة دلهي في الهند في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي وقام القائد الأفغاني اختيار الدين محمد بن بختيار خلجي بفتح بلاد البنغال عام 1204م وجعلها تابعة لسلطنة دلهي، هكذا خضعت البنغال للحكم الإسلامي لأول مرة في التاريخ.
إن خضوع البنغال لحكم المسلمين كان دعماً لانتشار الإسلام في أرجاء البلاد، ولعبت اللغة البنغالية دوراً مهماً في ترسيخ الحضارة الإسلامية هناك إلى جانب اللغتين الفارسية والعربية، وينسبها علماء اللغة إلى أسرة اللغات الهندو أوروبية من الفرع الهندي، الذي تعتبر اللغة السنسكريتية بمثابة اللغة الأم له. بينما يرى بعض الباحثين أن اللغة البنغالية ترجع عناصرها الأصلية إلى اللغات الدرافيدية وليس اللغة السنسكريتية الآرية، وإن كانت قد تأثرت بها تأثراً بالغاً في مراحلها اللاحقة وخاصة بفضل الجهود التي بذلها كتاب الهندوس.
بدأ الدور الجديد للغة البنغالية، فحكام البنغال المسلمون في هذا العصر، وإن كانوا أتراكاً أو أفغاناً واتخذوا اللغة الفارسية لغة رسمية للدولة إلا أنهم منحوا اللغة البنغالية حريتها الكاملة ونظروا إليها نظرة تقدير لكونها لغة الشعب، فنهضت وتطورت وبدأت تتأثر بالثقافة الإسلامية كما دخلتها الألفاظ العربية والفارسية.
أما الكتابة والتأليف باللغة البنغالية فقد تأخرا لفترة نظراً لأن اللغة الفارسية كانت اللغة الرسمية للدولة الإسلامية ولغة التعليم، ولا نجد للمسلمين أعمالاً أدبية بالبنغالية قبل القرن السادس عشر الميلادي إلا لشاعرين فقط هما: شاه محمد صغير، صاحب منظومة «يوسف وزليخا» وأمير زين الدين صاحب «رسول فيجاني» أي فتوحات الرسول، ثم تعددت الموضوعات الإسلامية في الأدب البنغالي فيما بعد، ودخلت الألفاظ والعبارات والأساليب العربية والفارسية والأردية إلى اللغة البنغالية، بل إن هناك عدداً من الكتب الأدبية كتبت بالحروف العربية بدلاً من الحروف البنغالية.
أخذت اللغة البنغالية من خلال اللغة العربية بوضوح الطابع الأدبي واللغوي الإسلامي وأسهمت في الكثير من العلوم والفنون الإسلامية وشاركت في بناء الحضارة الإسلامية وتشييد أركانها في شتى المجالات، لأن اللغة العربية ظلت منبع ألفاظ الحضارة والثقافة في الهند كما احتلت مكانة مرموقة كمصدر في إثراء اللغات الهندية ولاسيما اللغة البنغالية.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية ،كولكاتا - الهند