عطية محمد عطية عقيلان
تتداول مقولة «لا يفتى ومالك في المدينة» عند طلب الرأي أو الفتوى بوجود مختص هو الأصوب في الرأي، حيث اشتهر الإمام مالك ابن أنس في القرن الأول الهجري، بعلمه الغزير وفقهه وحسن خلقه، ويعد رحمه الله من الفقهاء الأربعة عند أهل السنة والجماعة، ويلجأ إليه للفتوى للثقة بحكمه وعلمه ورجاحة عقله، ولهذا ضرب به المثل في الفتوى، وفي صفحات النت ظهر مصطلح «ويكيبيديا» وهي موسوعة موجودة بعدة لغات على الويب وظهرت باللغة العربية في يوليو 2003م، تقدم ملايين المعلومات المتعددة في كافة المسارات، ويذهب إليها للحصول على معلومات عن شخصية أو خبر أو حادثة، وغالبًا تكون موضوعية وصادقة (إلى حد ما)، وهي مفيدة كنقطة انطلاق وتكوين فكرة عما تريد معرفته، مع الحاجة لمزيد من البحث والتقصي للوصول إلى حقائق دقيقة. وفي المقابل والنقيض لمقولة «لا يفتى ومالك في المدينة»، وموسوعة «ويكيبيديا»، يوجد مصطلح ظهر ما يسمى تندرا «كيس بيديا» والتي جعلت الفتوى والتنظير متاحًا للجميع، وهي تطلق على أن المصدر للمعلومة، الارتجال والتخمين (والجدعنة)، فنراها نعطي معلومات وآراء قطعية وأخبار وروايات من خلال فهمنا واستيعابنا وخبراتنا الشخصية والمعتمدة على «اللقص واللصق» والربط حسب أهوائنا، مع الاجتزاء والاستدلال الذي يدعم موقفنا الضعيف والمتهالك، مع المكابرة بعدم الموضوعية والأخذ بالحقيقة عند ظهورها. لذا تظهر الكثير من التناقضات ووجهات النظر في قصة واحدة أو رواية أو خبر طبي أو دواء أو علاج أو تأثير غذاء معين، حسب الشخص الناقل للحكاية ومعتمد على الهدف من نشرها، ونرى أنه من المخجل أن نقول (لا نعرف) وأصبح هناك استخدام كبير لموسوعة (كيس بيديا) وهي ما نؤلفه ونرتجله من أحكام المهم أن ندلى بدلونا.
عزيزي القارئ، لنخفف من إعطاء المعلومات المعتمدة على ما يوجد بداخلنا وفهمنا، ونحاول أن نكون موضوعيين - إلى حد ما- في إعطاء الآراء وإصدار الأحكام والفتوى، ونحن لسنا مؤهلين لذلك لا سيما في أمور العلم والطب والسياسة والدين، ولنكتفي بما نمارسه ونسمعه من تحليل وتنظير وطرح أفكار وآراء على أداء المدربين واللاعبين والحكام في البرامج لتعرف حجم «كيس بيديا» الذي بداخلنا عند التعليق ونقد ما يقومن به، وأغلبنا لم يطأ ملعب كرة قدم أو يمارسها، ولكنها تنظيرات نستمتع بطرحها، لذا نشهد تغيير المدربين واللاعبين، دون منطق أو موضوعية ولكنها العاطفة المحركة لهذه القرارات لإرضاء المشجع، وكذلك شهدنا تضخم (كيس بيديا) مع ما حصل مع تداعيات كورونا وكيف نتناول الأخبار ونضيف عليها وهي موضع علمي وطبي بحت لفئة مختصة من علماء وأطباء الأمراض المعدية والفيروسية ولكنها لم تسلم من الفتوى من الجميع خاصة مع كل ظهور متحور جديد، وأصبح حتى الأطباء يقولون لم تصلنا ولم نطلع ولم نعلم بعد، إلا أنهم يمارسون الفتوى والتنظير حتى لا يقال عنه أنه (لا يعرف)، وشهدنا كيف تحول كثير من النقاش بين الزملاء عن أسعار البترول وتوقعاتنا وكأننا من أعضاء أوبك المؤثرين والعارفين في خبايا الشراء والتسليم والبيع الأجل له، ولا غرر في الحديث والنقاش في كل شيء ولكن لنعتمد على المعلومات والحقائق خاصة في أمور الطب والعلم والاقتصاد لأن (كيس بيديا) ليس موسوعة تعول على جدواها في كل مرة، واستحضر مقولة د. غازي القصيبي رحمه الله «ما أكثر الذين يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء.. يحكمون على كل إنسان.. ويبتون في كل قضية.. ويفتون في كل معضلة».