معتصم باكراع
هي رسامة تتنفس الألوان وترسم بالفرشاة ما يعبر عن تفاصيل واقعها وأهازيج خيالها، حينما تطرق بابها وتهم بالدخول إلى المرسم تجد أن روائح الألوان اخترقت المسافات بين المعاني التي تسابق الفرشاة وتعانق اللوحة.
الرسم بالنسبة لها أسطورة تراجيدية غنية بالألوان المترفة مليئة بالمعاني الحالمة بين زوايا أفكارها وثنايا مشاعرها.
هادئة كهدوء اللوحة، ولكن حينما تنظر إلى ما يحتويه البرواز تجد ملامحها التي تتبدل وشخصيتها التي تزدهر في كل لوحة وإذا ما قارنت بين لوحاتها السابقة ولوحاتها الحديثة ستدرك قناعتها المتغيرة باختلاف فصول عمرها.
حينما يسألونها عن قلة كلامها تردد مقولة الرسام لو كوربوزييه: «أنا أفضل الرسم على الكلام، فالرسم يعبر عن الحقيقة بسرعة، ويترك قليل من المجال للأكاذيب».
وفي يوم كانت لي زيارة إلى مرسمها فهي تفتخر بأبنائها الذين أنجبتهم من رحم معانيها ومن حقها ومن حق كل موهوب أن يتحدث ويظهر للعالم بأسره ما يستطيع أن يقدمه حتى لا تموت الموهبة في مهدها وتنتشر ويرى العالم ماذا يقدم من معنى يضيف للبشرية وإلا ماتت الأفكار في القبور.
وقبل أن أدخل المرسم كنت أعلم بأنها سوف تُريني الثلاثة لوحات الأخيرة فما ترسمه تشاركه في وسائل التواصل الاجتماعي لرؤية التعليقات من أصحاب المجال وتلك من حسنات التواصل الاجتماعي فهي تتيح لأصحاب الإنجازات والقيمة المضافة إظهار ما لديهم وتتيح للتافهين تصدر المشهد بناء على حصاد المتابعين وأنت عليك اختيار المعنى الذي تريد الذوبان في أعماقه إما إضافة أو نقصان من عمرك ووقتك.
نأتي إلى اللوحة الأولى وكان عنوانها «الصخرة الصماء»، وتقول مفسرة للوحة أن الجبال تنجب الصخور الصماء التي لا تسمع صوتها.
فقلت لها هل الصخور لا تسمع؟ ألا يرتطم الصخر بالصخر فكيف يرتطم به وهو لا يسمع أخاه؟
ومن ثم أرتني اللوحة الثانية والتي عنوانها «غدر البحار»، وتقول لي إنها سفينة تغرق لأن البحر غدار ويجب أن يكون الإنسان حريصاً في شتى أمور حياته حتى لا يتعرض للغدر.
فقلت لها وهل السفن تغرق؟
تعلن اندهاشها مجيبة بنعم إنها تغرق، إذا حارت معها الأمواج وتلاعبت بها الرياح.
فقلت لها لم تغرق السفينة، ولكنها انتقلت من الوجود إلى السكون ومن السطح إلى القاع وسوف تعيش بها كائنات مختلفة عما كانت عليه فوق سطح البحر.
وفي اللوحة الثالثة حكاية ثالثة والتي كانت تحت عنوان «الفقر والتشرد» وكانت اللوحة تصور أشخاص بيوتهم بالية كثيابهم الرثة التي يرتدونها فقلت لها ولماذا هم مشردون؟
فلا يوجد شرود من الواقع هم أشخاص يلتحفون الأرض ويعانقون السماء وسوف يغنيهم الله من فضله فمن ظهر هؤلاء خرج العلماء والمفكرين والأدباء والمثقفين، بل حتى التجار العصاميين بعضهم انطلقوا من لوحتك لذلك لا اتفق معكِ فيما ترمين إليه.
لم تتحدث لبرهة من الوقت لم تكن تظن أن تُفسر أعمالها بهذه المعاني، بل إن إحساس الرسام ينفرد بإيصال إيقاع تخيلاته.
فقلت لها كل إنسان له معنى خاص به فقد يأتي من يفسر تلك اللوحات الثلاثة بطريقة مغايرة تماماً إما المعنى فهو يأتي من التجارب والخبرات ومن المواقف التي يتعرض لها كل شخص.
وكمثال يجسد المعاني المختلفة على سبيل المثال الكاتب يكتب سطور معدودة ليوضح المعنى الذي يرمي إليه إما تأويل كلامه، وتفسيره، والإضافة إليه، بل وانتقاده هو نوع من المعنى الخاص لكل شخص وكلما أتاح الإنسان لحياته ثراء التجربة تمدد المعنى وتوسع وبعد نظره واتسع أفقه.
وكما يقول الشاعر التشيلي بابلو نيروندا:
يموت ببطء
من لا يسافر
من لا يقرأ
من لا يسمع الموسيقى
من لا يعرف كيف يجد شيئا
بفضل عينيه
يموت ببطء
من يحطم كبرياءه
من لا يرغب في مساعدة أحد
يموت ببطء
من يصبح عبداً للعادة
يعاود كل يوم نفس المسافات
من لا يغير أبدا معلمته
لا يجازف أبدا بتغيير لون ملابسه
أو لا يتحدث أبدا مع غريب
يموت ببطء
من يتجنب العواطف
وزوبعتها الانفعالية
التي تمنحنا النور في العيون
وتصلح القلوب الجريحة
يموت ببطء
من لا يغير المكان
عندما يكون حزينا
في العمل أو في الحب
من لا يركب المخاطر
لتحقيق أحلامه
من، ولو لمرة واحدة في حياته
لا يتهرب من نصائح حساسة
عش الآن
جازف اليوم
بادر بسرعة
لا تترك نفسك تموت ببطء
لا تحرم نفسك من السعادة
وهنا أقول إذا لم تعطِ لحياتك معنى سوف يبتلعك الروتين وتفقد بعد النظر وسوف تكون إنسان سطحي التفكير أحادي الاتجاه فكيف ترى جميع الألوان والمسارات وأنت في نفس العجلة ونفس التكرار.
تُعطى المعاني لمن يبحث عنها في الكتب، والتجارب، والسفر، والأشخاص، وغيرها.
إذا لم تعطِ لحياتك المعنى أصبحت كالآلة التي تدور تلقائياً وقت التشغيل إما أن تمتلك الإعدادات المسبقة أو تعيش تجربة المعنى.