لا يسلِّمُ البشرُ -عادةً- لما يطرأُ عليهم من جديد إلاَّ بعد فترةٍ من ظهوره وما ذلك إلاَّ طبيعةٌ من الصَّعب التَّخلص منها وكأنَّ ما جعل هذه الطبيعة متأصِّلةً في نفوسهم هو عدم اقتناعهم بما يبادلهم من جديد إلاَّ بعد معرفة سلبياته من إيجابيَّاته أو مضارِّه من فوائده ثم يأتي التَّسليم باقتناء الجديد تدريجيَّا حتى ينطبق عليهم المثل [مع الخيل يا شقرا] ليصير مألوفاً لدى الغالبية من الناس.
وإذا كان رفض البعض يمثِّل نسبةً يسيرة فلهم وجهاتُ نظر متفاوتة منها المقنع ومنها غير المقنع كما أنَّ مما نتلاقَّاه - من الجديد مألوف- مفيد ومنه غير مفيد.
لقد عرفَ الكثيرُ أنه لم يكن للمذياع أو الراديو- حينما فاجأنا به ماركوني أو شركة (ماركوني) [1] قبولٌ فقط بل قوبل بالرفض كما قوبل بالقبول وأعتقد أنَّ الرفض ليس لكونه وسيلةً إعلاميَّةً لكنَّ الرَّفض جاء من كونه أداة تبث الجيد والرَّديء أو الحَسنَ والسَّيء وكذلك لما للمرفوض من تأثير على المتلقين وأبرزه ما كان يبثُّ عبر المذياع حينذاك من أغان ولا فرق لدى المعارضين بين أغنية (ولد الهدى) وأغنية (أنت عمري) ولا بين (حديث الروح) وبين أغنية (حسيبك للزمن) ولم يتلاش هذا الاعتراض إلاَّ باختراع (التلفاز) مادة منافسة حيث تصوَّروا أن خطرها أعظم فقوبلت بالتَّنكر الشَّديد كما قوبلت بالرِّضا والقبول وكان عدم القبول متمثلاً في رفض كل ما يبث عبر التلفاز من أغان وتمثيليات مسرحية أو حلقاتية بصرف النظر عن الهادف المفيد منها وغير المفيد وحينما تحوَّلت الشَّاشة الفضِّية عن طريق (الدَّش) فأصبحت نافذة يستطيع الإنسان أنْ يطلَّ منها على جميع العالم رأينا رايات الرَّفض لتلك الشاشة المحدودة البث والمواد المطروحة تتلاشى وأصبح العصر عصر انفتاح والعقل وحده المرجِّح فهو الميزان الحقيقي لما تنطوي عليه نفس الإنسان وللنفس أن تأخذ ما تميل إليه وتترك ما لا تميل إليه من المُشاهد والمسموع ولا غرابة في ذلك فقارات العالم أصبحت بواسطة التَّقنيات الحديثة والمواد المبثوثة عبارة عن قرية صغيرة يجري فيها ما لا يتصوره الخيال من قبل. أما الصيحة المدويَّة في عالم الإلكترونيات أو الكمبيوتر فهي خدمة الإنترنت المتحدِّية إلى حد يقرب من المعجزة حيث أصبح كلُّ مقتن للحاسوب يودُّ كما يود كل مفكر الحصول على موقع فيه وكذلك شأن كل المؤسسات العلمية والشركات، لكن يا ترى هل قوبل هذا الاختراع العظيم بالرَّفض؟ أم قوبل بالرِّضا؟ هذا ما عرفناه من الاستفتاء أو الاستبيان الذي أٌجْريَ لحاضرين محاضراتٍ أُلقيتْ حول موضوع الإنترنت حيث جاءت النتائج تبشر بمستقبل جيد للإنترنت في السعودية وذلك أن الاستبيان أكَّد أن نسبة المستخدمين للشبكة في ذلك الوقت 57 في المائة من عدد الحاضرين للمحاضرات وتتزايد يوماً بعد يوم بالرغم من أن خدمتها محلياً كانت تتوافر تدريجياً. هذا ما نشرته (عربيوتر) في مجلة الإنترنت بعددها السابع والثمانين الصادر في شعبان 1418هـ وقد أبدى الرَّاغبون الدَّافع لاقتناء أو لضرورة اقتناء موقع في الإنترنت وهو أن شبكة الإنترنت تلبِّي رغات المستخدم بأداء مهام عديدة لا غنى عنها في عصرنا الحاضر.
وكذلك نشرت مجلة الإنترنت آراء المعارضين وذكرت بعض أخطار الإنترنت الواضحة والمفهومة من آراء المعارضين وهي:
1- أن الشبكة مفتوحة للجميع وليست محصورة على جهة معينة حيث يستطيع المشترك أن ينشر فيها ما يريد بدون رادع أو رقيب وذلك لأنها لا تمثل فكراً معيناً بذاته.
2- أن اللغة الأساسية في الشبكة توحي بأنها إحدى طرق الغزو الفكري سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة.
أما ما يبرهن خطر الإنترنت على الإسلام فما نشرته مجلة (عربيوتر) في مجلة الإنترنت تحت عنوان (الإنترنت وموقع يسيء للإسلام) والمنشور هو: [تلقي مجلس العلاقات الإسلامي الأمريكي اتصالات من كثير من المسلمين في أنحاء العالم يطالبون بإزالة موقع على الشبكة العالمية يتضمن إساءات للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم ومن ضمن تلك الإساءات قولهم إن الإسلام أشد خطراً على العالم من التَّصحر والدَّمار النووي والإيدز].
وقد أبدت الشركة أسفها وقامت بإزالة الموقع المسيء، لكن يا ترى هل يكتفي المسلمون بهذا الأسف؟ أم سيشترطون شروطاً عادلة تحمي الإسلام والمسلمين من الإساءة وتحمي الراغبين من المسلمين من مغبة الاشتراك؟ ولأني لم أدخل عالم الإنترنت إلاَّ متأخراً لم تكن لي مشاركاتٌ في الفيس بوك ولا في تويتر ولا الانستقرام بل كان بريدي الإلكتروني الوسيلة الوحيدة التي استخدمها فقط لكنَّ الزملاء والأصدقاء لم يتركوني وشأني بل أجْدَتْ محاولاتهم لتصبح لي صفحةٌ في الفيس ومشاركاتٌ على تويتر والانستقرام واستخدم الواتس إلى أصبحتُ أرَغِّبُ - من يرفضون المشاركات في هذه الوسائل- في استخدامها لكنَّني لاحظت انصراف بعض المثقفين عنها لاقتناعهم بعدم استخدامها وهم حسب اعتقادي في أشد الحاجة لها لأنها ستعينهم على توثيق نتاجهم الفكري والأدبي والتأريخي لذلك حاولت بشتَّى الطُّرق بل وصلت محاولاتي للإلحاح على بعضهم لإقناعهم باقتنائها لكن محاولاتي باءت بالفشل أمام إصرارهم العنيد وكنت أقول في نفسي: إن انصراف هذه القامات الثقافية عن استخدام وسائل التقنية المذكورة يعتبر تخلُّفاً ثقافياً وكأنَّ صمتهم يقول لي:
[إن القناعة من يحلل بساحتها
لم يلق في ظلَّها همَّاً يؤرِّقه]
أو أنَّهم اتخذوا مرشداً في هذا الشأن قول الشاعر:
[إذا لم تستطع شيئاً فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع]
أما بعد أنْ خضَتْ تجربتي مع الوسائل المذكورة فترةً ليستْ يسيرة اتضح لي أن صفحات الفيس بوك تُخترق وكذلك تويتر والانستقرام وفعلا اخترقوا صفحتي في الفيس بوك كما اخترقوا صفحات غيري فعرفتُ أنَّ أمان المستهدفين مفقود في هذه الوسائل رغم استعدادهم بحماية أجهزتهم كما اتضح لي من متابعة الأحداث أنَّ الهكر يستطيعون اختراق الأجهزة الذكية وبإمكانهم استخدام أرقام هواتف الآخرين النقَّالة لأغراض نفعية أو سيئة وأذكر ذات مرة أن رسالة وردتني من صديقٍ برقمه وصورته -بواسطة الواتس- تشير أنه في حاجة مبلغ من المال فاتصلتُ برقمه أكثر من مرَّة لأتأكد منه فوجدتُ رقمه مشغولا وأخيراً عرفتُ أنَّه ليس هو وأنَّ أرقمه مُستغلٌّ من أحد الهكر.
كما اتضح لي أنَّ أحد أبحاثي أضيف فيه مع تقديم في إحدى صفحاته وتأخير وتكرار ليفقدَ بما طرأ عليه جوهره يغيِّر هدفه كما اتضح لي أنَّ بعضهم باعوا ضمائرهم فأنشأوا مواقع يصنفون الناس فيها حسب أهوائهم السخيفة وعواطفهم الموبوءة.
ولهذا أقول: إن انصراف بعض الرُّموز عن المشاركات في الوسائل الآنفة الذكر والانصراف عما ينشر في بعضها من سخافات ليس تخلُّفاً ثقافياً بل وعيَّاً ثقافياً أحسدهم وأنصح المشتركين أو المستخدمين للوسائل التي سبق ذكْرها بأخْذَ الحذر ما أمكن خاصة بعد أن أصبحت إدماناً عند بعضهم والله من وراء القصد.
** **
- منصور بن محمد دماس مذكور
dammasmm@gmail.com