د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
لما رأيت اعتماد بعض أبنائنا الطلاب على أعمال هذا الرجل أردت التنبيه إلى بعض سرقاته ليتجنبوها ولينسبوا الفضل إلى أهله.
وجدت منذ سنوات على رفوف مكتبة الرشد «كتاب المزهر للسيوطي» وعلى غلافه كتب تحقيق الشربيني شريدة. فرحت بظهور المزهر محققًا فبادرت إلى شراء نسخة منه، وحين شرعت في تصفحه فوجئت بأنه ليس سوى سرقة للنشرة المتداولة التي أخرجها الأساتذة «محمد أحمد جاد المولى بك، ومحمد أبوالفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي». عمد الشربيني إلى حذف حواشي نسختهم وحذف خطبة السيوطي مع مقدمة الأساتذة توهمًا أن خطبة السيوطي من عملهم.
وقرأت ما جاء في دراسة أ.د. سعود بن عبدالله آل حسين عن كتاب «مختصر الأضداد لابن الأنباري»(1)، وهو أنه كتاب حققه محمد أبوالفضل إبراهيم ثم حققه الشربيني شريدة، نشرته دار الحديث عام 2009م، من غير أن يبين علة لذلك، وأنه حذف الفهارس التي صنعها المحقق محمد أبو الفضل إبراهيم، وأن النص ناله اضطرب في تداخل الألفاظ واضطراب في المنهج وإطالة للحواشي بالتعريف لأعلام لم يردوا في النص، ولعل الدكتور تحرج أن يتهم الشربيني بسرقة الكتاب الذي حققه محمد أبوالفضل إبراهيم؛ ولكن القارئ لن يفوته ذلك.
وأقف بكم اليوم على سرقة أخرى، وهي الكتاب الذي نشرته دار الحديث في القاهرة عام 2009م. وهو (المقتصد في شرح رسالة الإيضاح).
أقحم كلمة (رسالة) في العنوان ليوهم الناس بأن هذا كتاب مختلف عن (المقتصد في شرح الإيضاح) وهو الكتاب الذي درسه وحققه لدرجة الدكتوراه كاظم بحر مرجان العراقي الجنسية، وقد سعدت بشهادة مناقشته في جامعة القاهرة، ونشر الكتاب في سنة 1982م.
وحين تقلب صفحات نسخة الشربيني لا تجد كلمة (رسالة الإيضاح) في غير الغلاف، وسأبين الآن بعض أدلة سرقة الشربيني.
1- سلخ ما كتبه كاظم من تعريف بالجرجاني ابتداء من قوله «أبو بكر عبد القاهر» حتى قوله «وكثرة اطلاعه». انظر ص 10، 11 من نشرة الشربيني، وتجدها في ص 17، 18، 19 من نسخة كاظم. وحذف الشربيني كل حواشي كاظم. وسلخ ما كتبه كاظم عن وفاة الجرجاني وجعله تحت عنوان وفاته، وكذلك سلخ ما قاله كاظم عن شعره وجعله تحت عنوان شعره، انظر ص11 من نشرة الشربيني.
2- سلخ الشربيني ما أورده كاظم في تحقيقه عن مؤلفات الجرجاني بتفاصيلها وعنواناتها ابتداءً من ص21 وما بعدها، انظر نشرة الشربيني ص20 وما بعدها.
3- قال كاظم في ص 26س9 «وقد بحثت في دراسة مفصلة حين إعدادي لرسالة الماجستير علاقة كتاب (الإيضاح) بكتاب (التكملة) فوصلت إلى أنهما كتابان مستقلان، وعلى هذا يكون كتابا (المقتصد في شرح الإيضاح)، و(المقتصد في شرح التكملة) مستقلين أيضا لأن الأول يعالج موضوعات نحوية، والثاني يبحث في موضوعات لغوية». وقد سلخ الشربيني هذا الكلام في جملة ما سلخ وأورده في ص 24-25. وأما رسالة الماجستير المقصودة فقد ورد ذكرها في الحاشية 3 قال كاظم «انظر الجزء الخاص بالدراسة من رسالة الماجستير وهي بعنوان (كتاب التكملة لأبي علي الفارسي: دراسة وتحقيق) ص15 وما بعدها».
4- ذكر كاظم في ص 29 في المدخل 15 قوله «كتاب المفتاح: وهو غير معروف من حيث موضوعه وهو أيضا من كتب عبد القاهر المفقودة ولكن ذكرته بعض المصادر واحدا من مصنفاته».
وقول كاظم صحيح في وقت إعداده لرسالته ووقت طبعها أيضًا سنة 1982م، أما الشربيني الذي سلخ قول كاظم فغير معذور؛ لأن (كتاب المفتاح) وجد وحقق، ونشر في سنة 1987م. حققه أ.د. علي توفيق الحمد، ونشرته دار الرسالة ودار الأمل، أي قبل نشر الشربيني المقتصد سنة 2009م.
5- سلخ الشربيني في ص29 من نشرته ما كتبه كاظم عن سبب تأليف كتاب المقتصد، انظر ص34 وما بعدها.
6- ذكر الشربيني في ص33 تحت عنوان (مخطوطة الكتب) «اعتمدنا على المخطوطة الموجودة بدار الكتب المصرية المكتبة التيمورية، والتي بلغ عدد أوراقها 235 ورقة. وعدد سطور الصفحة الواحدة 25. وهي موجودة تحت رقم».. وأما كاظم فكان قد اعتمد على ثلاثة مخطوطات، منها هذه المخطوطة التي قال عنها في ص51 تحت عنوان: نسخة دار الكتب المصرية المكتبة التيمورية (الأصل) «هذه النسخة موجودة في المكتبة التيمورية بدار الكتب المصرية (نحو) وقد اعتمدتها أصلا لأنها أقدم النسخ مما تحت يدي من الأصول».
وهذه النسخة كما وصفها كاظم فيها نقص في مواضع متعددة تداركه اعتمادًا على النسخ الأخرى، وأما الشربيني فلم يشر إلى شيء من ذلك، لأنه سلخ عملًا وافيًا.
7- ذكر كاظم في ص67 وهي أول كتاب المقتصد حاشية هذا نصها:
«الصفحات الأولى من الكتاب من نسخة ب مقارنة بنسخة ج، وهي مفقودة من نسخة الأصل. وقد أهملت ترقيمها. وسوف أشير إلى نهاية هذه الصفحات وابتداء نسخة الأصل».
وذكر في ص96س5 من تحت «فالفائدة» وكتب في الحاشية «هنا ينتهي ما أخذ من نسخة ب مقارنة بنسخة ج. وبعده تبدأ نسخة الأصل».
ويفترض أن تكون هذه الصفحات مفقودة من نشر ة الشربيني لزعمه اعتماده على مخطوطة المكتبة التيمورية وحدها، أي الأصل عند كاظم. ولكن النص كامل كما أورده كاظم؛ لأن الشربيني سلخ عمل كاظم كله.
8- جاء في ص113 من نسخة كاظم، وجعله بين معقوفين، قول الجرجاني «[واذا دخل الألف واللام على ما لا ينصرف أو أضيف انجرّ، كقولك: مررت بالأحمرِ وبأحمرِ القوم، وبإبراهيمِهم، لأنّ هذا موضع قد أمن فيه التنوين]». وكتب كاظم في الحاشية 107 من هذه الصفحة «ما بين العاضدتين ساقط من الأصل وهو مثبت في بقية النسخ». ومع ذلك نجد هذا النص الساقط من نسخة الأصل في نشرة الشربيني ص 88 س3 غير أنه صحف «بإبراهيمهم» فجعلها «بإبراهيمٍ».
أرجو أن يتنبه طلاب العلم إلى مصادر بحوثهم؛ إذ من الواجب الاعتماد على الكتب الصحيحة نسبتها والجيد تحقيقها.
... ... ... ... ...
(1) سعود بن عبدالله آل حسين، «مختصر الأضداد لابن الأنباري لتقي الدين بن عبدالقادر التميمي»، مجلة العلوم العربية، ع44، رجب 1438ه، ص33.