لابن خالويه (ت 370 هـ) اللغوي النحوي المعروف شروحٌ محضة مثل: شرحه أسماء الله الحسنى، وشرحه غريب الحديث، وشرح فصيح ثعلب، وشرح المقصور والممدود لابن ولاَّد، وشروح لبعض القصائد مثل: شرح مقصورة ابن دريد، وشرح قصيدة غريب اللغة لنفطويه، وشرح بانت سعاد، وشرح السبع الطوال، وشروح لبعض الدواوين مثل: شرح ديوان ابن الحائك، وشرح ديوان أبي فراس الحمداني.
وشروح غير محضة، وهي التي أتت عرَضًا في ثنايا كتبه وهي كثيرة جدًّا، منها: شرح نونية عدي بن زيد العبادي في ثنايا كتاب شرح مقصورة ابن دريد، أو أتت على رسالة من رسائل أصدقائه، مثل شرح غريب رسالة صديقه أبي الحسن الهُبيري في وصف ديك.
والذي وصلنا من هذه الشروح بنوعيها هو: شرح مقصورة ابن دريد، وشرح فصيح ثعلب، وشرح ديوان أبي فراس الحمداني، وشرحه لنونية عدي بن زيد العبادي، وشرحه لرسالة وصف ديك للهُبيري().
وأمَّا عن منهجه في الشروح:
ففي شرح المقصورة اتبع منهجًا واحدًا؛ حيث تناول كل بيت فشرحه وبيَّن غريبه مستشهدًا بالآيات القرآنية والقراءات، حيث بلغت القراءات القرآنية التي استشهد بها مائة قراءة، واستشهد بالأحاديث، واعتمد كثيرًا على أقوال المفسرين والمحدِّثين، وكان كثير الاهتمام بذكر السند عند إيراد الأخبار، واستشهد أيضًا بالأمثال والأشعار، وكان كثير التكرار في شرح الكلمات اللغوية وفي الشواهد.
وكعادته في جل مصنفاته عرض لكثير من القضايا الصرفية والنحوية واللغوية ذاكرًا آراء العلماء فيها، مثل: الإبدال والإتباع والأضداد والإعلال والمثنى والمذكر والمؤنث، وما تلحن فيه العامة، ولأن أبرز عنصر في مقصورة ابن دريد هو المقصور والممدود، فقد حرص على الإشارة إلى المقصور والممدود من الكلمات في كل بيت وبيان الخلاف في كتابتها بين البصريين والكوفيين.
وأمَّا عن منهجه في شرح فصيح ثعلب فلم يقف مع كل لفظ من ألفاظ الفصيح، بل كان يختار بعض الألفاظ التي يراها غامضة، وكعادته يعرض مسائل نحوية وصرفية فيبدي رأيًا أو يشير إلى رأي العلماء، مثل قضية تأثير التذكير والتأنيث بالمجاورة والإضافة، ولحن العامة، والإبدال والإتباع والإعلال، والتذكير والتأنيث، والقلب والجموع وغيرها، ويستطرد فيذكر أبيات شعر في وصف أكول (ص 30 -31)، وذكر الخبيث من الهجاء (ص 79)، وذكر ذهاب الفزع (ص 193)، وقصص المرأة العجوز(ص 229) وأسماء العجوز(ص 320). وظهر عنده الاهتمام بالرواية والمناقشة والاستشهاد بالقرآن والقراءات والحديث والشعر وأقوال العرب.
وأمَّا عن منهجه في شرحه لنونية عدي بن زيد فإنه لم يورد الشرح تحت كل بيت كما فعل في شرح مقصورة ابن دريد، بل جمعه بعد إيراد القصيدة، واختار كلمات محددة ولم يشرح كل الكلمات الصعبة، وكذلك فعل في شرح غريب رسالة وصف ديك، وهذه الرسالة لم يظهر فيها الاستطراد والاستشهاد ربما لضيق سياقها.
وأمَّا شرحه لديوان أبي فراس الحمداني فليس فيه أي لغة بل هو بمنزلة تأريخ لمناسبات قصائد أبي فراس وذكر لمآثر الدولة الحمدانية.
وشخصيته العلمية واضحة جدًّا؛ ففي شرح المقصورة كان يردُّ قسمًا من أقوال العلماء ويناقشها، فقد ردَّ على سيبويه وابن السِّكِّيت واللحياني، وكذلك شخصيته العلمية واضحة في شرح فصيح ثعلب، في التعليل والتوجيه وضرب المثل، والربط بين الصيغ الصرفية واللغات، والاستطراد في الشرح.
مصادره في شروحه: من الصعب حصر مصادر ابن خالويه التي ذكرها رواية وسندًا وليس عزوًا إلى كتاب؛ لذلك سأكتفي بذكر ما صرَّح به من كتب؛ ففي شرح المقصورة ذكر كتاب العين المنسوب للخليل بن أحمد، والكتاب لسيبويه، ومعاني القرآن والأيام والليالي والشهور للفراء، والخيل لأبي عبيدة، والخيل للأصمعي، وغريب الحديث لأبي عبيد، وإصلاح المنطق وتهذيب الألفاظ لابن السِّكِّيت، وتفسير الطبري، وجواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر، والزاهر في معاني كلمات الناس لابن الأنباري، والقراءات السبعة لابن مجاهد.
وفي شرح فصيح ثعلب كان من الكتب التي أفصح عنها: أدب الكتاب لابن قتيبة (بواسطة)، وكتاب الأضداد غير منسوب والأغلب أنه يقصد الأضداد لأبي عبيدة، وجمهرة اللغة والشوارد لابن دريد، والعين المنسوب للخليل بن أحمد، وما تلحن فيه العامة للسجستاني، والهمز لأبي زيد.
قيمة شروحه: ترجع قيمة شرح المقصورة إلى:
- كثرة الشواهد التي بلغت ألفًا، وانفراده برواية قسم منها؛ لذا فهو مصدر مهم في الاستدراك على الدواوين المطبوعة مثل ديوان: رؤبة، وعبد الصَّمد بن المعذَّل، وعدي بن زيد، وعَبيد بن الأبرص، وجرير، والفرزدق، وعمر بن أبي ربيعة، وعمران بن حطَّان، وأبي نواس، وأبي الهندي، وابن أبي طاهر، والفضل بن العباس.
-فيه نصوص من كتب مفقودة مثل كتاب ابن السكيت المثنى والمكنى والمبنى، وكتاب ابن كيسان الحقائق.
- لأن الاستطراد كان سمة في أسلوب ابن خالويه فقد أورد في شرح المقصورة أبوابًا مهمة قائمة بذاتها استغرقت صفحات كبيرة، مثل: باب في ذكر ما قيل من المنظوم والمنثور في الخيل وما يستحب فيها. وباب في ذكر الشيب وما قيل فيه، وباب في ذكر الخمر وما قيل فيه، وأورد أخبارًا وأحاديث تاريخية مثل قصة الزَّبَّاء مع الوضَّاح، والسموأل مع امرئ القيس، وخبر سيف بن ذي يزن مع الحبشة، وكتاب المعتضد لإسماعيل بن بُلبل يطلب فيه شعر اليهود، وذكر أسماء النبي وصفاته.
- فيه قضايا لغوية كثيرة استفاد منها أصحاب معجمات المعاني مثل أسماء السيف والرياح والحيات والنبات وأصوات الحيوانات والطيور.
وقيمة شرحه لفصيح ثعلب أنه من أوائل الشروح على الفصيح، واستطرد فيه لكثير من القضايا اللغوية، كما أنه كان مرجعًا للشراح من بعده، كما سيأتي.
تأثير شروحه: شرح المقصورة نهل منه السيوطي في المزهر ونقل عنه في أكثر من خمسين موضعًا. ونقل عنه الجواليقي في شرحه للمقصورة دون ذكر اسم الكتاب. وشرحه لفصيح ثعلب نقل عنه كثيرًا اللبلي في تحفة المجد الصريح والهروي في إسفار الفصيح وابن هشام اللخمي في شرحه للفصيح.
مآخذ على شروحه: في شرح المقصورة وقع في أوهام قليلة مثل نسبة أبيات لرؤبة وهي للأعشى، ونسبة بيت للأعشى وهو للنابغة. وفي نسبة بعض القراءات. وأحيانًا يذكر الأقوال غفلا دون ذكر أصحابها.
وختامًا فقد ضاع كثير من شروح ابن خالويه والتي بالتأكيد كانت تحمل فوائد ثرَّة، والذي وصلنا من شروحه قليل، والاعتماد عليه في إبانة منهجه في الشروح لا يُعطي التصور الكامل، ولكن هذا هو المتاح إلى أن يمن الله علينا بظهور بعض كتبه المطوية في علم الغيب.
** **
- د. محمد علي عطا