الصفة الانسانية هي بالطبع للانسان دون الكائنات الاخرى. ولكنها مفهوم واسع يضم عدة مكنونات ليست ثابتة. فهي متطورة مع الذات الفردية والاجتماعية. أي تتغير مع تغير عمر الفرد، وتنمو بنمو التجربة الاجتماعية تاريخياً.
المعرفة مثلاً هي إحدى المكنونات الأساسية للإنسانية، وقد يكون لك صادماً أن «تعرف» أن للحيوان معرفة أيضاً! فهو يعرف ما يناسبه للأكل وما لا يناسبه. كما أنه يطعم صغاره و»يعلمهم» ما يؤكل وما لا يؤكل. وقد «يعلمهم» الافتراس كالأسد؛ أو الحيلة كالثعلب؛ أو البحث كسائر الحيوانات؛ أو أي وسيلة أخرى؛ ولكن هناك وسيلة واحدة من المستحيل على الحيوان فعلها وإلا أصبح إنساناً؛ وهي أن الحيوان يصنع غذائه بنفسه. فأنت لا تستطيع حتى أن تتخيل أن الطير يزرع حبوباً؛ أو أن الذئب يدجن الخراف ويصبح «راعياً» كي يعيش.
توظيف المعرفة وتطويرها على أساس تراكم التجربة البشرية يسمى ازدهاراً، وقد نشأت نزعة الازدهار لدى الإنسان دون غيره من الكائنات بسبب «الوعي». والوعي هو محصلة العمل الاجتماعي الانساني التراكمي «المبدع». فالإبداع الذي هو صفة انسانية بحتة، يفترض عدم الوقوف عند روتين معين في العمل والتجديد المستمر نحو الأفضل!
يوجد عمل جماعي لدى النحل مثلاً؛ ولكنه ليس «اجتماعياً» لأنه روتين مستمر خال من «الإبداع» منذ ملايين السنين؛ ولم ولن يتطور! أما العمل الاجتماعي الإنساني المبني على الإبداع؛ والذي لم يتجاوز عمر تطوره الحضاري بضعة آلاف من السنين؛ تراكمت خلالها التجربة العملية «المعجونة» بالإبداع؛ لحضارات عظيمة؛ سادت ثم بادت؛ هي التي منحت الإنسان الحديث الفرصة» للوصول إلى هذا المقدار من التطور الهائل الذي نعيشه اليوم.
بيد أن العمل الاجتماعي «المبدع» هذا نشأ منذ بدايته من أجل تطور ورقي «المجتمع»، أي للحفاظ على الوجود الإنساني واستمراره وتطوره. أما أن تهيمن فئة قليلة على مقدرات البشر كلهم؛ ثم تحولهم إلى «أدوات» لصنع «الربح»؛ فالهدف هنا ليس «الإنسان»؛ إنما توجيه التجربة «الإنسانية» المتراكمة نحو هدف «حيواني» بامتياز. فالحيوان فقط هو الذي لا يرى سوى وجوده هو دون حتى أبناء جنسه. ومعروفة قصة الأسد الجائع الذي لا يجد طعاما فيأكل أولاده!
كل التدمير للبيئة والإنسان والشجر والحجر، وكذلك تفكك العائلة والتدهور الصحي والنفسي للبشر، ناتج من أن فئة لا تتجاوز نسبتها المئوية الكسور العشرية تريد تحويل الهدف الإنساني إلى حيواني.
** **
- د.عادل العلي