مسعدة اليامي - «الجزيرة الثقافية»:
الواقع هو الخلفية الأساسية التي تؤخذ منها الفكرة لكتابة القصة، ومشاعر القصة الحزينة تلازمني طويلاً وتحجب الدموع عني الرؤية. الكتابة ذلك العالم الفسيح، دلفت إليه منذ الصغر، لذلك أكتب الخاطرة وكذلك المقال، وذلك لا ينقص من مكانة القصة الأثيرة.
* منذ متى شعرتِ أن بداخلك كاتبة ومَنْ حفَّزك إلى الأمام؟
- الكتابة هذا العالم الفسيح الذي دلفت من بوابته منذ الصغر، عندما كنت أكتب رسائل لوالدتي وأنا في الصف الرابع أو الخامس، لا أذكر تمامًا لحظة الوعي بفعل الكتابة، إلا أنني أتذكر صيغ الكتابة التي تنوعت بين حكايات خيالية عن صعوبات أعيشها، وشوق وحنين لها ولإخوتي، كتابات لم تصل لها أبدًا، لكن الخيال صوَّر لي أنها تقرأ ما أكتب وتشعر بي، وبمأساة الفراق التي أعانيها، طبعًا المبالغ فيها فقد كنت مترفة في رعاية جدي وجدتي، لكن الأم تعني للطفل الشيء الكثير وإن عاش في نعيم مع الآخرين.
تطورت حالة الكتابة لديَّ في المرحلة المتوسطة بدعم من شقيقي الأكبر، الذي اهتم بتزويدي بمصادر قرائية رائعة، يعجز عنها فهم من كان في عمري، بدأت بكتب المنفلوطي، ونجيب محفوظ، وطه حسن، والعقاد، وكتب فلسفية وتاريخية عميقة، ومترجمات، بالإضافة للدوريات الشهرية والأسبوعية والصحف اليومية، أحدثت التغير بين ما كنت وكيف أصبحت، بدأت أرسل كتاباتي إلى الصحف والمجلات بإيحاء من أخي، ونشرت أول نص لي تحت مسمى خاطرة في مجلة النهضة الكويتية.
* كيف كنتِ تغذين ملكة الكتابة عندك؟
- دائمًا الأسئلة تقودني إلى تخطي المألوف. لدي هاجس دائم أن وراء الأشياء أشياء أخرى تختلف وتثير الدهشة، أبحث عنها في كل مكان، داخل الكتب، المشاهد اليومية المعتادة، حتى الأحاديث البينية تثري، عند التقاط جملة أو مفردة أو موقف، وربما يكون القائد إلى فكرة جديدة كلمة، ثم أن استيعاب كل مقروء وفهمه، والاحتفاظ به في الذاكرة، له أثر كبير وانعكاس على أسلوب الكتابة، وتنوع الأفكار، وتخصيص قراءة يومية للقرآن الكريم، يزيد متانة الذاكرة وجودة الاحتفاظ.
* كيف كان شعورك عند نشر قصتك الأولى؟
- أول نص نُشر لي تحت مسمى قصة كان بعنوان «أين قطرة الندى؟» في جريدة الجزيرة؛ أحيانًا يعجز الإنسان عن وصف الشعور وتدفق لحظته، إلا أنني كنت سعيدة جداً، ورغم مضي زمن طويل على هذا الحدث الجميل في حياتي، إلا أن لذته ما زلت كما هي. وحقيقة لـ»الجزيرة» مكانة خاصة في نفسي ابتداء من نشر كتاباتي في «أقلام واعدة».
* كم من الوقت تمضين مع خير جليس وأيها تجذبك للقراءة أكثر القصص العربية أو العالمية؟
- القراءة عندي الخيار الأول في يومي وأخصص له ساعة كل يوم، بعد صلاة الفجر، غير لحظات مسروقة في فراغات اليوم إن حصلت، ولعل قراءتي للروايات العربية في بداياتي لها انعكاس على اختياراتي، إلا أنني أيضًا أجد في الروايات الأجنبية المتعة والمختلف، وهذا مرتبط بجودة الترجمة.
* في ظل وفرة قنوات النشر أين توجهين بوصلتك بنشر قصصك؟
- في بداياتي كانت المجلات والصحف اليومية هي وجهتي، وبعد انقطاع وعودة، وظهور هذا الأفق المتسع للنشر، بدأت في النشر في المجموعات القصصية عبر الواتس آب، وتويتر، وحاليًا بدأت بنشر نتاجي الأدبي على الفيس بوك عبر حسابي الشخصي أو من خلال نادي القصة القصيرة.
* حدثينا عن فوز قصة «أغنية الشهداء» بجائزة أبها الثقافية؟
- لعبت الصدفة دورًا مهمًا في مشاركتي في هذه المسابقة في عام 1408هـ، عندما قرأت عنها في إحدى الصحف، تواصلت مع نادي أبها الأدبي الثقافي لمعرفة الوقت المتبقي للمشاركة، وكان كافيًا لاختيار إحدى القصص، وكانت الصعوبة في اشتراط أن تكون القصة مطبوعة، في ذلك الوقت لا تتوافر الطابعات بسهولة ولا يوجد في بلدتنا سوى طابعة، ولحسن الحظ كانت لوالد صديقتي، والذي لم يمانع في إعارتها لي، استمرت طباعة القصة أربعة أيام تقريبًا، بالنقر بإصبع واحد تورم. أردت من هذه المشاركة أن أعرف هل أنا كاتبة قصة فعلاً؟ في ظل عزلة عن الآراء من حولي، وبعد إعلامي بالفوز بالمركز الثالث مناصفة مع دكتور شعرت بالفخر والثقة، فخريجة الثانوية تنافس دكتورًا!، كنت أتمنى أن أستلم الجائزة بنفسي، إلا أن الجميع رفض ابتداء من النادي ووصولاً للأسرة، ورغم الإحباط احتفلت بالإنجاز.
* المشاركة في المسابقات الثقافية ماذا تمنح الكاتب؟
- المسابقات الثقافية من المحفزات التي تشعل فتيل المنافسة على الإبداع والتجديد في الأفكار والأساليب الكتابية والتجديد، والخروج على المألوف، وهذه المسابقات تعطي حراكًا وتدفقًا مستمرًا للمشهد الأدبي والثقافي.
* ماذا فعلت بالوقت الفائض أثناء الحجر الصحي؟
- منحني الحجر الصحي وقتًا إضافيًا لبعثرة أوراقي وإعادة ترتيبها من جديد، وخاصة أنني توقفت عن النشر وغبت عن المشهد الثقافي أكثر من خمسة عشر عامًا، كانت كافية لطمس معالم طريق العودة، فجاءت فترة الحجر فرصة ثمينة لإعادة تنظيم العودة والتأهيل بعد أن تخلصت من أعباء العمل الرسمي بالتقاعد المبكر، والحمد لله أستطيع القول إنني أنجزت في هذه الفترة.
* كيف تنجزين أعمالك الإبداعية في ظل كثرة المسؤوليات والواجبات الاجتماعية؟
- بعد التقاعد أصبحت الفترة الصباحية ملكًا لي، فهي مجزأة بين القراءة والكتابة، والمراجعة، وفي هذا الوقت أنجز الكثير، وأتصفح قدر الإمكان وسائل التواصل وأطلع على الجديد.
* هل تستوحين قصصك من واقع الحياة أم أنت مع كتاب الخيال؟
- غالبًا الواقع هو الخلفية الأساسية التي تؤخذ منها الفكرة، والخيال ضرورة لبناء هذه الفكرة وصياغتها ووضعها في قالب التشويق والدهشة وأحيانًا الغرائبية، يعمل الخيال عندي بصورة كبيرة عند محاولة نقل حدث في الماضي، فهناك عوالم تجهلها الأجيال الجديدة ولا بد من تقريب المفاهيم لمزيد من المتعة عند القراءة.
* الكتابة شغف، جنون، وحي، مرض، متعة، قلق ماذا تشكل لك الكتابة القصصية؟
- بالنسبة لي شغف مجنون يثير المتعة، لحظة إلهام مفاجئ توقظني من النوم، تقلقني حتى أترك طاولة الطعام، أصبح في لحظة مفاجئة خارج إطار حديث جماعي، تحملني على الانفراد بالورقة والقلم، ربما تزعج الآخرين ويشعرون بالقلق من هذا التصرف، لكنهم اعتادوا، فهم أول من يشهد ولادة الفكرة والاحتفاء بها.
* ما هي المشاعر التي تمر بك عند كتابة قصة واقعية حزينة؟
- هي حالة عامة تمر بكل من يكتب، معايشة اللحظة، وبما أنني امرأة فالدموع تلازمني عند كتابة مثل تلك المشاهد، وأحيانًا تحجب الرؤية، ومن أسوأ الأمور أن بعض المشاعر تلازمني طويلاً.
* رأي جيد لن تنسيه وكيف استفدتِ منه ورأي قاسٍ كيف تعاملتِ معهُ؟
- كلمات أبي -رحمه الله- ما زالت هي المؤثر الحقيقي والمحرك لي حتى الآن، أستمد منها الإصرار والتحدي ومقاومة الضغوط للوصول إلى هدف رسمته وأسعى لتحقيقه -بمشيئة الله.
أما بالنسبة للقسوة فقد واجهتني الكثير من الآراء المحبطة التي كانت كفيلة بإناخة مفرداتي والتوقف، فعلى المستوى المجتمعي تكتب المرأة مثلما يكتب الرجل وربما أفضل، لكن له حكم، وعليها أحكام. وهناك آراء ساخرة ومجحفة ومن يبحث عن الأخطاء فقط، أصبحت أجيد التعامل معها، مع حرصي على المسافة الآمنة مع الجميع.
* ماذا في الدرج ومتى يرى النور أم أن هناك جديدًا تحت الشمس؟
- بعد ترتيب الإدراج وإعادة تنظيمها، وجدت الكثير وإن شاء الله قريبًا أول رواياتي التي ترددت في طباعتها، لكنني سأغمض عيني وأدفع بها إلى عالم النور، حتى تصبح لديَّ الشجاعة لدفع أخواتها. بالإضافة إلى ثلاث مجموعات قصصية إحداها قصيرة جدًا، نسأل الله العون.
* تراودك كتابة الرواية أم أنك مخلصة لفن القصة، وهل ذلك أخلاص أم عدم قدرة على الإمساك بمهارات فن أخر؟
- أحب القصة وهي عالمي الخاص جدًا، لكن أحيانًا وأنا أبحر في الكتابة أجد أنني تجاوزت حدود القصة إلى عالم صاخب مليء بالممرات والشوارع والشخوص والأحداث، ولعل روايتي الأولى ترى النور قريبًا، وبالعكس أجد نفسي أكتب الخاطرة ولي مؤلف «همسات ريفية» وقريبًا طبعته الثانية المعدلة، وأكتب المقال بحب، وكل هذا لا ينقص من مكانة القصة الأثيرة.