مشعل الحارثي
سعدت جداً بالإهداء القيم الذي تلقيته من معالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة عن طريق أستاذنا المبجل الدكتور عبدالمحسن القحطاني ممثلاً في مجموعة كبيرة من كتبه القيمة وخاصة ما يتعلق منها بموضوع (الاستشراق) الذي جعله في مقدمة اهتماماته العلمية وأنار الله بصيرته حتى أخرج لنا هذه المجموعة التي تمثل موسوعة شاملة إلى جانب ما خطه يراعه أيضاً من عشرات المقالات في الصحف المحلية والأجنبية وما قدمه من محاضرات وشارك به من دراسات وندوات في هذا المجال بلغت أكثر من ستين كتابًا ومائة بحث ومقالة وورقة عمل، وكذلك ما ساهم به من جهد مشكور في الشأن الاجتماعي وفي علم المكتبات والمعلومات وهو التخصص الذي يحمله لدرجتي الماجستير والدكتوراه.
ولنقف سريعاً مع بعض ما حملته كتبه من عناوين في مجال الاستشراق وهي: كتاب الاستشراق في الأدبيَّات العربية - الاستشراق والدراسات الإسلامية - إسهامات المستشرقين في نشر التراث العربي الإسلامي - الالتفاف على الاستشراق - محاولات التنصُّل من المصطلح - المستشرقون والتنصير- المستشرقون ونشر التراث - مراجعات في نقد الاستشراق مقدِّمات لرصد وراقي ببليوغرافي - مصادر المعلومات عن الاستشراق والمستشرقين - ظاهرة الاستشراق مناقشات في المفهوم والارتباطات.
ومن المقالات القيمة التي نشرها معاليه في عدد من المجلات مقال بعنوان: نظرة المستشرقين للملك عبد العزيز وجهوده في توحيد المملكة العربية السعودية، مقال الاستشراق والتنصير، مقال كنه الاستشراق مناقشات في التعريف والنشأة والدوافع والأهداف، مقال الاستشراق مصدرًا من مصادر المعلومات عن العالم الإسلامي، مقال رحلات المستشرقين مصدرًا من مصادر المعلومات عن العرب والمسلمين، مقال نقد الاستشراق، مقال الاستشراق والإسلام، مقال الاستشراق والقرآن الكريم، مقال الاستشراق والرسول?
لقد قدم لنا معالي الدكتور علي النملة ومن خلال هذه الكتب والأبحاث والمقالات دراسات واعية وفاحصة للعديد من المجالات التي تناولها المستشرقون فيما يتعلق بالدين الإسلامي وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم واللغة العربية ومختلف العلوم، وتعرض لأهدافه ونوازعه ومصطلحاته وأنواعه، وجلى الكثير من تلك المغالطات المنبثة بين الزوايا والسطور عن هؤلاء المستشرقين، وليقول لنا إنهم ليسوا سواء وليسوا على منهج واحد من المصداقية والأهمية في أبحاثهم ودراساتهم، وأنه يجب إنصاف ما لحق ببعضهم من أولئك العلماء العاملين بجد وإخلاص ونزاهة لخدمة العلم والبشرية جمعاء من تجن وظلم أمام ما قدموه من غيرة وخدمات لحفظ التراث الإسلامي العريق، بخلاف أولئك الذين استخدموا العلم في خدمة السياسة وزيفوا الحقائق ونشروا الأباطيل وطعنوا في الدين الإسلامي وفي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتقصوا من شأن بعض الشخصيات العربية التي أضافت إلى الفكر الإسلامي واللغة والأدب أمثال ابن خلدون والمتنبي والغزالي وغيرهم، وفند هؤلاء الساعين إلى هذه الغايات الخبيثة المشبوهة إلى أربع فئات الفئة الأولى منهم من تعمدت الإساءة للإسلام، والثانية أساءت للإسلام لمجرد عدم انتمائهم له، وهناك من أساؤوا للإسلام لجهلهم بالدين الإسلامي الحنيف، والفئة الرابعة اعتمدت على ما سبق أن قدمه المستشرقون السابقون الذين اتسموا بالحدة في ترويج عداء الإسلام بين الغربيين والشرقيين.
ولقد أتاح انضمام معالي الدكتور علي النملة كباحث في معهد العلوم العربية والإسلامية بفرانكفورت بألمانيا الاطلاع على حقيقة هذه الدراسات والاحتكاك بعدد من المستشرقين هناك وتتبع جذور هذه الأعمال ومن ثم رصدها وتوثيق المفيد منها فأخرج لنا هذه الذخيرة المميزة من الإصدارات والأبحاث والدراسات وخاصة ما يتعلق بالاستشراق الألماني الذي انجذب إليه من بين مدارس الاستشراق الأخرى لما اتسمت به هذه المدرسة من تميز واعتدال عن بقية تلك المدارس وهو ما يؤكده معاليه في كتابه الاستشراق الألماني والمستشرقون في المراجع العربية ص11 بقوله: (لقد تيسر لي بعد التخصص في مجال المكتبات والمعلومات - التوجه إلى دراسة الاستشراق منذ سنة 1405هـ الموافق لسنة 1985م، حينما كنت ضيفاً علمياً على معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة بفرانكفورت بمدينة فرانكفورت على نهر الماين، بإدارة مباشرة من العالم الفذ الأستاذ الدكتور محمد فؤاد سزكين رحمه الله تعالى (1342- 1439هـ - 1942- 2018م) الذي أكرمني طيلة خمسة عشر شهراً بقراءة كتابه تاريخ التراث العربي بأجزائه التسعة، التي كانت منشورة في ذلك الوقت باللغة الألمانية، وقد وصلت قبيل وفاته إلى ثمانية عشر مجلداً، بالإضافة إلى قراءة كتب ومقالات لغيره كان يحثني على قراءتها والتمعن فيها بعد أن يدفعها إلي، وكنت أسجل ملحوظات عليها - من وجهة نظري حتماً - ثم أناقشه حولها بعد الانتهاء من قراءتها، وكان يعجبه ذلك ويطرب له).
وكان من نتاج ذلك ما قدمه لنا معاليه وبحكم تخصصه في علم المعلومات من جهد كبير في رصد تلك القوائم الوراقية الببليوغرافية عن المستشرقين الألمان وما قدموه من دراسات وما كتب عنهم أيضاً في المراجع العربية من دراسات.
وإن كان الشيء بالشيء يذكر كما يقال فإن من ضمن جهود المستشرقين الألمان التي يجب أن تذكر فتشكر قيامهم بجمع المخطوطات العربية التي تقدر بالآلاف وعمل فهارس لها وحفظها في مكتبة برلين وأثرها الكبير في خروج العشرات من الدراسات والأبحاث العربية حتى أصبحت بعد ذلك أساساً لوضع تاريخ الأدب العربي، كما شجع ذلك قيام تعاون علمي وثيق بين العلماء العرب والألمان في كثير من الجامعات الألمانية والعربية واستعانتهم بمدرسين عرب لتعليم اللغة العربية للألمان والعكس صحيح، وكذلك جهودهم في إصدار الموسوعة العلمية في التراث العربي (دائرة المعارف الإسلامية) وتأسيس جمعية المستشرقين الألمانية لخدمة التراث العربي وصدور عدد من المجلات العلمية التي تهتم بهذه الجوانب، كما أنه لما لهؤلاء المستشرقين الألمان المنصفين من أهمية فقد ضمت مجامع العرب للغة العربية في القاهرة ودمشق عدداً من العلماء الألمان كأعضاء مراسلين مثل الأستاذين (فيشر وليمان) الأعضاء في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
وقد أكد على ذلك المفكر العربي الأصل الأمريكي الجنسية إدوارد سعيد عندما قال إن للاستشراق الألماني جهوداً كبيرة في خدمة التراث العربي الإسلامي، تحقيقاً ونشراً، بل إنهم هم أول من وضع أسس علم تحقيق النصوص وتوثيقها علمياً، فأول كتاب صدر في هذا العلم للمستشرق الألماني برجشتر آسر بعنوان (أصول نقد النصوص ونشر الكتب)، والذي سار على دربه علماؤنا الأفاضل.
كما أن المستشرقين الألمان حققوا عدداً كبيراً من الكتب التراثية العربية مثل الكامل للمبرد، وتاريخ الطبري (على مدى 30 عاماً)، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، والفهرست لابن النديم، والعديد من الدواوين الشعرية، فمثلاً نشر (إيفالد فاجنر) ديوان (أبو نواس) في خمسة أجزاء، انكب على دراسة الديوان وإخراجه في 20 عاماً.
ولا ننسى ما أشار إليه الشيخ طه الولي صاحب كتاب (الإسلام والمسلمون في ألمانيا بين الأمس واليوم) المطبوع عام 1486هـ من إقامة متحف خاص للقرآن الكريم في مدينة (ميونخ) ضم صوراً شمسية لكل الكتب التي لم تطبع في هذا الموضوع من سائر أنحاء العالم، والصور الشمسية لآلاف النسخ من القرآن الكريم المخطوطة باليد، والمطبوعات العربية الخاصة بالتفسير وعلوم القرآن والقراءات، إلى جانب إحصاء كامل بتفاسير القرآن الكريم إذ جمعوا لكل آية منه علبة خاصة بها ووضعوا بهذه العلبة تفسير تلك الآية لكل مفسر من عصر الصحابة الكرام إلى يومنا هذا وكل ذلك منسق ومرتب بحسب التسلسل الزمني.
إن نظرة منصفة وعادلة لأمثال هؤلاء المستشرقين ممن كان لهم الفضل في تعريف أهل المشرق أنفسهم على أصول أدبهم وتاريخهم وحضارتهم وتراثهم وروائع مؤلفاتهم في شتى ألوان المعرفة تستدعي الإشادة بما قدموه من جهود علمية نزيهة أمثال المستشرق الفرنسي (إتيان دينيه) الذي أسلم وحول اسمه إلى (ناصر الدين دينيه) صاحب كتاب (الحج إلى بيت الله الحرام) وما أفاض به مع من بحوث مهمة، وما شنه من حملة على المستشرقين الذين زعموا أنهم دخلوا الأرض المقدسة مكة المكرمة خفية وأبان الصادق منهم والكاذب، وكذلك المستشرق المجري الدكتور (عبدالكريم جرمانوس) مؤلف كتاب (الله أكبر) عن رحلته إلى الجزيرة العربية، والمستشرق المسلم النمساوي الأصل محمد أسد وكتابه (الطريق إلى الإسلام) وغيرهم الكثير والكثير.
وأمام هذا العطاء المتميز لمعالي الدكتور علي النملة وما أسداه للوسط العلمي والمعرفي من سلسلة هذه المؤلفات والدراسات المنصفة والمتعمقة نقول إنه حري بكل تكريم وإشادة وثناء على ما قدمه من جهد كبير وما قضاه من وقت ثمين ودأب مكين ليضيف لمكتبتنا العربية أمثال هذه الدراسات والمؤلفات الثرية الأمينة الصادقة في مجال الاستشراق نقف لها احتراماً وتقديراً وإعزازاً ولا نملك له في الختام إلا الدعاء له بأن يجزيه الله خير الجزاء عن كل ما قدم وأن يمد في عمره ويكلل مساعيه العلمية كافة بالتوفيق والنجاح والتألق المستمر.