د. عبدالحق عزوزي
صنفت منظمة الصحة العالمية المتحورة الجديدة لكوفيد - 19 التي رصدت أول مرة في جنوب إفريقيا «مقلقة» وأطلقت عليها اسم «أوميكرون».
وتعد هذه المتحورة خامس سلالة توضع في هذا التصنيف. ونعلم أنه لتسهيل النقاشات العامة حول المتحورات، تقوم منظمة الصحة العالمية بتسميتها باستخدام الأحرف الأبجدية اليونانية (ألفا، بيتا، غاما، دلتا، إلخ). ووفق مجموعة خبراء منظمة الصحة العالمية، تشير البيانات الأولية إلى أن هناك «خطرًا متزايدًا للإصابة مرة أخرى» بأوميكرون مقارنة بالمتحورات الأخرى المثيرة للقلق.
حاصل الكلام أن كل الفيروسات، بما فيها سارس - كوف - 2 المسؤول عن كوفيد - 19، تتحور بمرور الوقت. وبعض الطفرات يمكن أن تؤثر على خصائص الفيروس وتؤدي مثلا إلى تسهيل انتشاره أو رفع شدة المرض الذي يسببه... بمعنى أن العالم لم ينته بعد من تداعيات هذا الفيروس؛ والدول التي تؤدي الثمن غاليًا هي الدول الفقيرة التي لا تملك الإمكانات لشراء هاته اللقاحات لشعوبها. فهل يجب تعليق قواعد براءات الاختراع الخاصة بلقاحات كورونا التي تمت الموافقة عليها للاستخدام في حالات الطوارئ، في محاولة لتحقيق التكافؤ بين دول العالم؟ الجواب نعم. فهناك واحد من بين كل أربعة أشخاص في الدول المتقدمة تم تطعيمه فعليا، بينما الحال في الدول الفقيرة يبلغ واحد من بين كل خمسمائة شخص...
ولكن المسألة جد معقدة. فلقاحات كوفيد تتمتع بحقوق الملكية الفكرية، وهي حقوق قانونية تحمي الابتكارات الصادرة عن نشاط فكري في المجالات الصناعية وغيرها.
وتشير هاته الملكية الفكرية إلى إبداعات العقل من اختراعات ومصنفات أدبية وفنية وتصاميم وشعارات وأسماء وصور مستخدمة في التجارة. وتكون الملكية الفكرية محمية قانونا بحقوق منها مثلا البراءات وحق المؤلف والعلامات التجارية التي تمكّن الأشخاص من كسب الاعتراف أو فائدة مالية من ابتكارهم أو اختراعهم.
ويرمي نظام الملكية الفكرية، من خلال إرساء توازن سليم بين مصالح المبتكرين ومصالح الجمهور العام، إلى إتاحة بيئة تساعد على ازدهار الإبداع والابتكار.
هذا هو سر الملكية الفكرية؛ ولا يخفى على المتخصصين أنه وراء بعض الاختراعات الصناعية ملايين من الدولارات الاستثمارية تستثمرها الشركات أو الدول في بعض الأفراد أو المختبرات أو المؤسسات ومن ثم تلك الحصانة القانونية الدولية التي تفرضها قواعد التجارة الدولية على براءات الاختراع.
هذا التفسير هو تفسير قانوني صرف ويسمح لبعض الشركات تحقيق أرباح خيالية في رمشة عين...
فشركة فايزر تعتزم تحقيق 33.5 مليار دولار من مبيعات لقاحها هذا العام؛ كما تتوقع بايونتيك تحقيق مبيعات من اللقاح بقيمة 15.9 مليار يورو، بالنسبة لعام 2021 ؛ كما تتوقع موديرنا تحقيق 20 مليار دولار من عائدات لقاحها عن مجمل العام 2021 .
هاته الأرقام تعطي لنا الأرباح الخيالية التي تحققها هاته الشركات وهي طبعا تستفيد من الحصانات القانونية التي تحمي براءات اختراعها. ولكن عندما يموت الآلاف من البشر يوميا من جراء اوبئة على شاكلة جائحة فيروس كورونا فهنا العامل الأخلاقي الدولي يجب أن يكون حاضرا لأننا كلنا بشر وهناك حقوق إنسانية يجب حمايتها ولا يجب أن تكون المكاسب الاقتصادية وقواعد التجارة الدولية المصصمة لحماية حقوق الملكية الفكرية تطغى على الجانب الإنساني...
ويكفي ان نشير إلى أنه إذا كانت العديد من المواثيق الدولية قد تمت المصادقة عليها بعد نهاية الحربين العالميتين وبموجبها أنشئت محاكم دولية لمتابعة مقترفي الجرائم ضد الإنسانية انطلاقا من مبدأ أن حقوق الإنسان هي حقوق كونية، فإن حالات الطوارئ العالمية في مجال الصحة العامة مثل جائحة فيروس كورونا تتطلب رفع حماية حقوق الملكية الفكرية في مجال اللقاحات صونا لحماية حياة الإنسان في العالم، والحق في الحياة هي من حقوق الإنسان الكونية التي جعلت الديانات التوحيدية والمواثيق والاتفاقيات الدولية تكتبها بماء الذهب..
فعلى كل دول منظمة التجارة العالمية الإصغاء إلى منطق العقل وعدم الاختباء وراء المصالح المالية الضيقة أو لوبيات المختبرات العملاقة ويجب عليها أن تؤمن وصولا أفضل، وقدرة تصنيع أكبر، ولقاحات أكثر لكل دول العالم... وإذا تم هذا التنازل فإن البلدان يمكنهما إنتاج معدات ولقاحات محلية دون إذن مُسبق من أصحاب الملكية الفكرية، ومن شأن ذلك حماية أرواح البشر وإثبات الطابع الأخلاقي في علاقات البشر فيما بينهم.