زكية إبراهيم الحجي
أنا حيٌ مقتول.. عبارة مؤلمة وصفعة قاسية تهز المشاعر وتدمي القلوب وما أتفه الدنيا إذا انقلبت في غمضة عين إلى جحود ونكران لمن كان بعد الله سبباً لوجودك في هذه الدنيا.. أنا حي مقتول.. عبارة خرجت بكل حسرة وألم من فِي رجل مسنٍ تجاوز الثمانين من عمره وكان ذلك خلال حوار مباشر معه وبوجود بعض من أفراد أسرته وقد تابعته على إحدى القنوات الفضائية العربية.. اللافت أن من ضمن الأسئلة المطروحة سؤالاً عن تغيب إحدى بناته وعدم حضورها مع أفراد العائلة للمشاركة هنا كانت المفاجئة غير المتوقعة.. دمعة سالت من عين أب مكلوم.. دمعة حملت أقسى مشاعر الحزن والألم الممتزجة باللوعة والمنى والشوق لعودة ابنته إلى حضنه رغم كل ما سببته له.. لحظة صمت وكأنه يستعيد شريط ذكريات ثم قال: أنا حيٌ مقتول: ابنتي رفعت قضية ضدي بسبب خلافات مالية.. أب لم يتوقع في يوم من الأيام أن يجد نفسه في موقف متهم داخل محكمة بطلب من ابنته لمقاضاته.. السؤال: ترى أين يمكن أن يصل العقوق والجحود والخذلان بصاحبه وما الغنيمة التي يرجوها من ذلك؟.. أسئلة كثيرة تنكأ جراح الواقع وتفتح نوافذ الألم والحسرة.
ما سبق صورة من الصور البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية.. وللأسف الشديد كثيراً ما تطالعنا الصحف بقصص من واقع الحياة تحمل قدراً من البشاعة وتكشف حالات من جرائم الأبناء ضد الآباء والأمهات أو كليهما معاً فأين ذهبت الرحمة التي هي جوهر القيم.. وأين هو البر والإحسان الذي أوصانا به الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث يقول: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا}، إن جحود الأبناء لآبائهم وقسوة قلوبهم ونكران معروفهم لهو بمثابة سهم قاتل لمشاعرهم وأحاسيسهم مهما حاولوا تبرير ما يفعله الأبناء تجاههم.. ومهما كانت مرارة الانكسارات التي يتجرعونها إلا أنهم يحملون مشاعر الحب والدفء والحنان والخوف تجاههم ويبقون صغاراً في أعينهم حتى لو استقلوا بحياتهم وكوّنوا أسراً.. وجود الوالدين والبر بهما نعمة عظيمة لا نشعر بقيمتها إلا بعد فقدهما ولا يعرف قيمتهما سوى المحروم من هذه النعمة.. يقول الشاعر أبو العلاء المعري:
العيشُ ماضٍ فأكرِم والديكَ به
والأمُ أولى بإكرامٍ وإحسانِ
وحَسبُها الحملُ والإرضاعُ تُدمِنُه
أمرانِ بالفضلِ نالا كلَّ إنسانِ