د. محمد عبدالله الخازم
تعمل الجامعات السعودية بشكل جاد في إبراز المحتوى البحثي السعودي عالمياً، وفق مبررات منها رفع مستوى ترتيب الجامعات السعودية في التصنيفات العالمية، تطوير نقل المعرفة العالمية، والارتقاء بجودة البحث العلمي. وترى ذلك عبر النشر في أوعية نشر/ مجلات علمية مدرجة في قواعد البحث العالمية. بغض النظر عن ذلك الهدف والوسيلة، يكون السؤال الأول، كيف يحفز أو يجبر أعضاء هيئة التدريس على النشر في مجلات مصنفة في قواعد معلومات عالمية بذاتها؟
الإجابة في الغالب تكون عن طريق المكافأة لمن ينشر بحثاً في مجلات علمية عالمية، والاستفادة من الباحثين الأجانب، وهي وسيلة محل تساؤل ولا يبدو أنها تدوم أو تطبق بجميع الجامعات لوجود عوائق تنظيمية ومالية. الوسيلة الثانية، عن طريق تغيير سياسات الترقية والتقييم للأساتذة واشتراط النشر العالمي في هذا الشأن.
تطوير سياسات جديدة بخصوص فرض النشر العالمي بأحد الجامعات السعودية وردود فعل أعضاء هيئة التدريس حيالها هو محور ورقة الباحثة سما المبارك في مجلة سياسات التعليم العالي - مجلة عالمية رصينة في مجالها- الصادرة عن جمعية الجامعات العالمية في عددها الأخير (34، 2021). أتجاوز سياسات النشر الجديدة وأختار ملاحظات استنتجتها من الورقة العلمية للدكتورة المبارك.
الأولى: شكوى أو ملاحظة أعضاء هيئة التدريس سواء سعوديين أو أجانب من كون صنع السياسات والأنظمة يتم بمعزل عن رؤيتهم أو مشاركتهم وأخذ ملاحظاتهم ومرئياتهم. وأحياناً هي تعتدي على حق الأستاذ الجامعي في حرية البحث والنشر. يبدو هذا ديدن أغلب الجامعات السعودية ووزارة التعليم، فرض الأنظمة والسياسات والتوجيهات من الأعلى للأسفل دون مشاركة للقاعدة العريضة ذات العلاقة بها، ألا وهم أعضاء هيئة التدريس. للأسف، لا أستغرب ذلك في ظل اعتقاد إداريي ومستشاري وزارة التعليم بأنهم الأوصياء والأعرف بتفاصيل العمل الجامعي من الأساتذة وقيادات الجامعات. يتم خلق فجوة تواصلية ومهنية غير مقبولة مضمونها الإدارة مقابل الأساتذة، والوزارة مقابل الجامعات. كان ذلك ما فهمته من رأي الأساتذة وليس الجميع بقادر على تطبيق التنظيمات كما وضعها أصحاب القرار الإداري الأكاديمي، بل إن بعضهم لا يرى ملاءمة تلك التنظيمات مع تخصصه وخبرته وخلفيته العلمية. فكيف يطلب من أستاذ الدراسات العربية أو الإسلامية النشر في أوعية دولية ومجال بحوثه ذات طابع محلي أو لغوي عربي وتأهيله العلمي لم يكن باللغة الإنجليزية، إلخ.
الثانية، ملاحظة أعضاء هيئة التدريس بأن التنظيمات الجديدة الخاصة بالبحث لم تراع تنظيمات أخرى تتعلق بالأعباء التدريسية وبالترقيات وبسعودة أعضاء هيئة التدريس وبدعم البحوث وبأنظمة التعليم الجامعي الأساسية وغير ذلك. مأزق صنع السياسات هنا يتمثل في التطوير الجزئي المتسرع غير المقنن وبالتالي خلق تعارضات وتضارب بين عدة سياسات أو أنظمة أو توجهات، مما يخلق إحباطاً آخر وتبايناً في التطبيق من جهة أو حالة لأخرى.
هذا المقال ليس حول النشر العالمي والتوجهات حوله، لكنه يلتقط ملاحظات حول آليات صنع القرارات والسياسات في الجامعات السعودية من ناحية عدم المشاركة للقاعدة العريضة في ذلك وتجزؤها وعدم تكاملها مع بعضها البعض ومع التوجهات الاستراتيجية العامة.