عبدالوهاب الفايز
غدًا قمة الرئيس الأمريكي جو بايدن، من أجل الديمقراطية، التي دعا لها حوالي 110 دول لمناقشة التحديات التي تواجه الديمقراطية، والقمة الافتراضية هدفها تحفيز الالتزامات والمبادرات عبر ثلاثة محاور رئيسية هي: الدفاع ضد الاستبداد، ومكافحة الفساد، وتعزيز احترام حقوق الإنسان.
في دول الخليج العربي، عندما ترى بلادها خارج القائمة الأمريكية المنتقاة لحضور قمة الديمقراطية، ما هو الأثر من الاستثناء؟
وأيضا ماذا تعني للشعب الصيني أو الروسي، أو السنغافوري، أو.. غيرها من الدول التي لديها أحزاب وانتخابات؟
المفارقة أن أمريكا التي تتزعم قيادة العالم لبناء القيم والآليات الديمقراطية تواجه أوضاعاً صعبه مع الديمقراطية، فآخر الاستطلاعات وجدت أن 80 بالمئة من الجمهوريين مازالوا يعتقدون أن بايدن سرق الانتخابات، وقبل أيام دعا حاكم فلوريدا (رون دي سانتس) إلى تأسيس قوات عسكرية خارج السلطة الفدرالية لتكون جاهزة للتحرك في الحالات الطارئة، والمختصون بالقانون الدستوري يرون فيها مؤشرًا خطيرًا بالذات مع وجود جماعات مسلحة متطرفة من العنصريين البيض، وقيادات سياسية تجاهر بالعنصرية وتتبنى العنف.
أيضاً في النتائج الرئيسية لـ(تقرير حالة الديمقراطية العالمية لعام 2021 - بناء المرونة في عصر الوباء)، الذي نشره في 22 نوفمبر الماضي المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (International IDEA)، منظمة حكومية دولية مقرها ستوكهولم، جاءت أمريكا في قائمة الديمقراطيات الراسخة المتراجعة في العقد الماضي!
أيضاً أمريكا وبطريقة الدولة البوليسية المحترفة تطارد الأساتذة في الجامعات الأمريكية من أصول صينية بزعم التجسس لصالح الصين، وقبل أسبوع تم تبرئة الأستاذ في جامعة برنستون (أنمينغ هو) من تهمة التجسس بعد أن أمضى مكتب التحقيقات الفدرالي ما يقرب العامين في تتبعه للعمل، وفي البقالة، وحتى ابنه الجامعي وضع تحت المراقبة. وأخبروا الجامعة التي كان يشغل فيها منصبًا ثابتًا أنه عميل صيني، مما دفع الجامعة إلى التعاون مع تحقيقاتهم ثم طرده لاحقًا. لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يتمكن من العثور على دليل على التجسس.
في المقابل الحكومة الصينية أنجزت خلال ثلاثين عامًا لشعبها ما أنجزته أمريكا خلال قرنين، ولم تحتل شعوب أو تسرق ثرواتها أو تستعبد الناس وتتاجر في البشر، كما فعلت الديمقراطيات الغربية. في الصين الحكومة مارست المسؤولية تجاه شعبها، وهذا ما فعله الرئيس بوتين عندما أنقذ روسيا من عملاء النفوذ الأمريكي والأوربي قبل الانهيار.
أمريكا أشغلتها مصالحها الخاصة وأوضاعها الداخلية المضطربة وصراع النخب السياسية عن الاهتمام بمقومات السلام العالمي. هذه القمة مشحونة بالهموم الداخلية الأمريكية، وبالهوس والخوف من التفوق الصيني. لذا، هي قمة تهيئ الأجواء للانقسام وحدة الاستقطاب في النظام الدولي، ويبدو أن الرئيس بايدن يواصل جهود أوباما لإنشاء هيئة أمم جديدة تكون أمريكا بقيادة الأفكار الليبرالية المتطرفة هي محورها والمهيمن عليها.
بهذا السلوك هم يعطون الدافع للدول التي يضعونها في محور الشر والدكتاتوريات المتصالحة، إلى تأسيس (دول الانحياز) الجديد، أي بروز كتلة سياسية في النظام العالمي محورها الصين وروسيا، والدول المحيطة بهما. هذا يعني توحيد قلب العالم، المنطقة الأوراسية.
الإمبراطوريات والقوى العظمى في مسار تراجعها تفتقد الحكمة، لذا تكون أكثر خطورة وتصبح تحركاتها الخارجية مربوطة بتجاذبات وصراعات أوضاعها ومشاكلها الداخلية. أمريكا تمر بهذه المرحلة المضطربة وقد يهيئ هذا المناخ السياسي إلى حروب وسلوك عدواني خطير.
أمريكا من حقها أن تسعى إلى تعظيم الديمقراطية ومحاربة الفساد.. والمراقب من حقه أن يسأل: ماذا قدمت أمريكا للديمقراطية بالذات في الشرق الأوسط؟ أمريكا استخدمت تدخلها العسكري ونفوذها لبناء الدساتير الطائفية في العراق وأفغانستان بكل سوء نية وطوية لكي تضمن استمرار عدم الاستقرار، كما فعلت بريطانيا عبر (فرق تسد) لتقسيم الدول. أمريكا احتلت أفغانستان ووضعت دستوراً للبلاد مصمماً لكي تحكم الأقلية ضد الأغلبية، وبعد عشرين عاماً من الاحتلال وجهود بناء الديموقراطية، هربت أمريكا بعد أن سلمت البلد إلى طالبان، والشعب الأفغاني لم يجن من الاحتلال سوى الخراب!
أمريكا كانت تضع الزعيم السنغافوري الراحل (لي كوان يو) في قائمة الزعماء أعداء الديموقراطية، رغم أنه بنى دولة توضع في إطار الدول الصناعية الغنية، دولة خرجت من الاستعمار فقيرة محطمة لا تجد الماء العذب الذي تشربه، وأسس دولة تقوم على التعايش والتسامح. طبعاً أمريكا وحلفاؤها في المعسكر الغربي اتخذوا موقف العداء من الزعيم السنغافوري لأنه كان من الزعماء الذين قرروا رفض أموال المساعدات الغربية التي سوف تنتهي إلى ديون لأن هذا مصدر البلاء وإعادة الاستعمار.
لتمضي هذه القمة إلى حيث تشاء أمريكا، ونحن نتمنى ونعمل لأن نرى قيم الديموقراطية الحقيقية تتحقق لأجل عمارة الأرض. إذا الديمقراطية في المفهوم الغربي تعني مسؤولية الحكومة أمام الشعب، نحن نراها أكثر من ذلك. في الإسلام الحكم مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى أولاً.. ثم مسؤولية أمام الناس.
نحن اتخذنا طريق تحقيق (الحكم الصالح) الذي يساعد الناس على ما استخلفوا فيه.. أي عمارة الأرض. والآن نرى الملك سلمان وسمو ولي العهد، يحفظهما الله، يرسخان ما بدأه الملك المؤسس عبدالعزيز يرحمه الله: ترسيخ مقومات الحكم الصالح الذي يقوم على تعزيز مقومات الكرامة الإنسانية ومحاربة الفساد، وتوسيع مساحة العمران.