د. تنيضب الفايدي
للشِّعْرِ العربي تأثير عجيب في الدعاية والإعلام، ويطول البحث في هذا المجال، وسأعطي لمحة عن تأثير بيت الشِّعر العربي مع ضرب الأمثلة، حيث يعتقد بعض الأشخاص بأن له منـزلة، وله رأي، وله نفوذ سواء في الوظيفة أو في اعتماد وتنفيذ ما يقول، وذلك على مستوى الأفراد أو المجموعة أو القبيلة أو حتى على مستوى الدول: مثل مجموعة الدول العربية في هيئة الأمم المتحدة كما هو حاصل حالياً، ولكن رأي هؤلاء الأفراد أو المجموعة أو الدول ليس له وزن ولا ينفذ لأنه أصلاً ليس له اعتبار:
قال جرير بن الخطفى:
ويقضي الأمر حين تغيب تيم
ولا يستأمرون وهم شهودُ
وقد سلبت عصاك بنو تميم
فما تدري بأي عصاً تذودُ
كما أن بعض الأفراد إن نال غنىً أو منصباً أو شهادة علمية، يتغير وضعه على من كان بينهم، ويعتقد ذلك الشخص بأنه أكثر المجموعة فهماً وعلماً ومنزلة. قال حجل بن نضلة:
جاء شقيقٌ عارضاً رمحه
إن بني عمّك فيهم رماح
هل أحدث الدهر لنا نكبةً
أم هل رفت أو شقيقٍ سلاح؟
قال صالح بن عبدالقدوس:
وإن عناء أن تفهم جاهلاً
ويحسب جهلاً أنه منك أفهمُ
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه
إذا كنت تبنيه وآخر يهدمُ
كما أن بيت الشعر يرفع من كان وضيعاً ويشرف منْ لم يكن شريفاً، كان الرجل من بني نمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: نميري كما ترى، فما هو إلا قال جرير:
فغضّ الطرف أنك من نميرٍ
فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فصار الرجل من بني نمير إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني عامر، قال: فعند ذلك قال الشاعر يهجو قوماً آخرين:
وسوف يزيدكم ضعةً هجائي
كما وضع الهجاء بني نميرِ
فلما هجاهم أبو الرديني العكلي فتوعدوه بالقتل. قال أبو الرديني:
أتوعدني لتقتلني نميرٌ
متى قتلت نميرٌ من هجاها؟
فشد عليه رجل منهم فقتله. وما علمت في العرب قبيلة لقيت من جميع ما هجيت به ما لقيت نمير من بيت جرير. ويزعمون أن امرأة مرت بمجلس من مجالس بني نمير، فتأملها ناس منهم، فقالت: يا بني نمير، لا قول الله سمعتم، ولا قول الشاعر أطعتم، قال الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}، وقال الشاعر:
فغضّ الطرف أنك من نميرٍ
فلا كعباً بلغت ولا كلابا
ويرفع بيت الشعر أقواماً آخرين فقد كان الرجل من بني أنف الناقة إذا قيل له: ممن الرجل؟ قال: من بني قريع. فما هو إلا أن قال الحطيئة:
قوم هم الأنف، والأذناب غيرهم
ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا؟
فصار الرجل منهم إذا قيل له: ممن أنت؟ قال: من بني أنف الناقة:
وناس سلموا من الهجاء بالخمول والقلة، كما سلمت غسان وغيلان من قبائل عمرو بن تميم، والنباهة التي لا يضر معها الهجاء مثل نباهة بني بدر، وبني فزارة، ومثل نباهة بني عدس بن زيد، وبني عبدالله بن دارم، ومثل نباهة الديان بن عبدالمدان، وبني الحرث بن كعب. فليس يسلم من مضرة الهجاء إلا خامل جداً، أو نبيه جداً.
وقد وجدنا في الشعر أبياتاً يُجْرَى على رسمها، ويمضَى على حكمها: فقد كان بنو أنف الناقة إذا ذَكَرَ أحدٌ عند أحد منهم أنف الناقة -فضلاً عن أن ينسبهم إليه- اشتدَّ غضبُهم عليه؛ فما هو إلا أن قال الحطيئة يمدحهم:
سِيرِي أمَامَ فإن الأكثرينَ حصىً
والأَطْيبين إذا ما يُنسَبُون أبا
قوم إذا عقَدوا عَقْداً لجارهِمُ
شَدُّوا العِنَاجَ وشدُّوا فَوْقَه الكَرَبا
قوم همُ الأنفُ والأذنابُ غيرهُمُ
ومن يُسوِّي بانْفِ الناقةِ الذَّنبَا
فصار أحدهم إذا سئل عن انتسابه لم يَبْدأ إلا بهِ.
وأنفُ الناقة: هو جعفر بن قريع بن عوف بن كعب بن زيد مناة بن تميم.
عبدالله بن كعب جدُّهم إنما سمّي العجلان لتعجيله القِرَى للضِّيفَان؛ وذلك أن حياً من طيء نزلوا به، فبعث إليهم بِقِراهم عبداً له، وقال له: اعْجَل عليهم، ففعل العبدُ، فأعتقه لعجلته، فقال القوم: ما ينبغي أن يسمى إلاّ العجلان؛ فسمى بذلك؛ فكان شرفاً لهم، حتى قال النجاشي، واسمه قيس بن عمرو بن حرن ابن الحارث بن كعب يهجوهم:
أولئكَ إخوانُ اللَّعِينِ وأسرة الهَجينِ
ورهْطُ الواهِن المتذلّل
وما سُمِّي العْجلان إلا لقولِهِ
خُذِ القَعْبَ واحلب أيها العبد واعْجل