د. تنيضب الفايدي
ذكر الله هو أحسن طريقة لجلب السعادة قال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد الآية 28، حيث تطمئن القلوب بإحساسها بالصلة بالله، والأنس بجواره والأمن في جانب حماه، وتطمئن من قلق الوحدة، وحيرة الطريق، بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، وتطمئن بالشعور بالحماية من كل اعتداء ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما شاء مع الرضا بالابتلاء والصبر على البلاء، وتطمئن برحمته في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة.
وكثيراً من الناس ينحرفون عن الصراط المستقيم فيفعلون الفواحش والمنكرات ويتخبطون في ظلمات التيه والعمى ثم يذكرون الله سبحانه وتعالى فينتبهون عن غفلتهم فيستغفرون الله ويتوبون إليه راجين عفوه وغفرانه،قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. آل عمران الآية 135.
وقد ورد في الحديث القدسي عن أنس- رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه عزوجل قال: «إذا تقرب العبد إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة». رواه البخاري.
ومن يذكر الله دائماً يكون في معية الله فيكون الله له سمعاً وبصراً كما جاء في الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته». رواه البخاري.
فمن وجد السعادة فعليه أن يداوم على ذكر الله فبذكر الله تطمئن نفسه ويجد لذة السعادة، والتسبيح والتحميد والتكبير من أهم الوسائل لذكر الله سبحانه وتعالى. يقول أحد الفضلاء: قرأت شيئاً لفت نظري فأحببت أن ألفت نظرك، تتبعت التسبيح في القرآن فوجدت عجباً، وجدت أن التسبيح يرد القدر كما في قصة يونس عليه السلام قال تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (الصافات 143-144). وكان يقول في تسبيحه {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
والتسبيح هو الذكر الذي تردده الجبال والطير مع داود عليه السلام قال تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}.
التسبيح هو ذكر جميع المخلوقات قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
ولما خرج زكريا عليه السلام من محرابه أمر قومه بالتسبيح قال: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} مريم الآية 11. ودعا موسى عليه السلام ربه بأن يجعل أخاه هارون وزيراً له يعينه على التسبيح والذكر قال: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} طه 29-34.
ووجدت أن التسبيح ذكر أهل الجنة قال تعالى: (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين). يونس الآية10.
والتسبيح هو ذكر الملائكة قال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}..
حقاً التسبيح شأنه عظيم وأثره بالغ؛ لذا أمر الله سبحانه وتعالى به: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}, لاحظ كيف استوعب التسبيح سائر اليوم... قبل الشروق وقبل الغروب وآناء الليل وأول النهار وآخره، ماذا بقي من اليوم لم تشمله هذه الآية بالحث على التسبيح!.
وقال في خاتمة سورة الحجر: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} فانظر كيف أرشدت هذه الآية العظيمة إلى الدواء الذي يستشفى به من ضيق الصدر والترياق الذي تستطب به النفوس.
ومن أعجب المعلومات التي زودنا بها القرآن الكريم أننا نعيش في عالم يعج بالتسبيح: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} و{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.