رمضان جريدي العنزي
العلاقات الاجتماعية بين الناس تغيرت، صار يشوبها الشك والتوجس والخوف والنفور، الكلام أصبح يفسر بغير الكلام، والتصرفات غير التصرفات، والنصيحة لم تعد يؤخذ بها كما كانت نصيحة، والمشورة لم تعد مشورة، لا الجار أصبح جارًا، ولا القريب أصبح قريبًا، ولا الصديق أصبح صديقًا، العلاقات الاجتماعية الترابطية المتينة أصبحت مجرد ذكرى جميلة يتداولها كبار السن بينهم، ويسردونها لأبنائهم وأحفادهم كقصص مشوقة، متأملين ومتطلعين لعودة ذلك الزمن الطيب، وكيف كان الجار يحفظ سر جاره ويأمنه، وكيف أن الناس فرحهم واحد، وحزنهم واحد، وتعاونهم فيما بينهم واحد، وخوفهم على بعضهم واحد، لا منغصات بينهم ولا مكدرات ولا مشاكل. اليوم الجار لا يعرف جاره ولا يأمنه، والقريب يصد عن قريبه ويبتعد، والأسرة الواحدة يتخوف أفرادها من بعضهم. لقد تغير الناس، وأصبح الكل يبحث عن مصالحه الشخصية دون أن يفكر بغيره، فلا أنس ولا فرح ولا (لمة) جميلة، تفرقت الأجساد، وتحجرت القلوب، بُعد وجفوة وقسوة، قطيعة وحقد وأنانية وانعدام ثقة وطمع وحب استحواذ، لقد طرأ على الناس تحول جوهري في السلوك والأخلاق والتعامل، فالقلوب تحولت من قلوب صافية إلى قلوب فاترة، والعلاقات الحميمة تحولت إلى رسمية جافة، أصبح الناس حساسين وغيورين ويملؤهم الشك وتغزوهم التفسيرات الخاطئة لكل شيء، أصبح الكل مشغولاً بنفسه وجهازه وعلاقاته الافتراضية وعالمه الهلامي الخاص، الناس تغيرت وعلاقاتهم البينية أصبحت سطحية وسريعة وعابرة، لا أحد يتحمل الآخر، ولا يثق به، والشك والتأويل أصبح الديدن والبرهان، كثر (الهياط) والنفاق والرياء والتأويل، وتلاشت النخوة والطيبة والشهامة والكرم الصحيح وحب الخير ومساعدة الآخرين، أصبحت العلاقات بين الناس (مشي حالك). إن هذا التغير من الناس وبينهم إن لم يتم تداركه سوف تتفاقم الأعراض والمضاعفات، وستترك آثاراً سلبية، ونتائج خطيرة، وتكون سبباً في المآسي النفسية والأزمات الفكرية، ومن ثم عدم القدرة على التخلص منها. إن على الناس تقوية العلاقات بينهم من جديد، وفق اشتراطات صحية وقواعد سليمة، تجانس وتفاهم وتراحم وتواد، وكالبنيان المرصوص، لكي يحيوا بسعادة واحترام متبادل وعلاقة وطيدة، وحياة اجتماعية كريمة هادئة وهانئة وحب وسلام دائم.