د.شريف بن محمد الأتربي
هناك مصطلحات يتم استخدامها في أغلب المجتمعات كمصطلحات استنكارية أو تعبيراً عن رفض لموقف ما أو تصرف ما من شخص تجاه شخص أو أشخاص آخرين، أو لفكرة أو أفكار معينة، أو حتى لأشياء في مجتمعاتنا، وهذه المصطلحات ربما تتشابه في مظهرها، ولكنها تختلف في جوهرها، وقد اخترت لهذا المقال ثلاثة من المصطلحات التي يستخدمها العامة في أحاديثهم وغالباً ما توضع في غير موضوعها.
المصطلح الأول اللامنطقي، وهو مرتبط بعلم المنطق الذي يتم تعريفه بأنه: علم أو دراسة كيفية تقييم الحجج والأدلّة المنطقية، ويشار إلى أهميّته في كونه يساعد الناس على التمييز بين الأفكار المنطقية القوية منها والضعيفة؛ حتى يتمّ الوصول إلى المنطق بشكل صحيح. وبدون وجود المنطق الصحيح لا يتمكّن أيّ شخص من التعرّف والوصول إلى الحقائق أو المعتقدات الصحيحة، حيث يتم قياس الآراء طبقاً لمنطقيتها، وجميع الآراء التي لا تتفق مع المنطق تعتبر خارجة عن الإطار الصحيح، وغالباً ما يتم رفضها، بل كثيراً ما يتم التنصل منها، حيث يتم وصفها أحياناً بشذوذ المنطق. ورغم ذلك فهناك الكثير من الحلول التي خرجت عن إطار المنطق وأصبحت منطقية ومقبولة فيما بعد. وبذلك يعتبر اللامنطق مرتبطاً بإطار التفكير البشري في الأمور وتفسيرها.
وثاني المصطلحات هو اللامعقول، فالعقل هو مجموعة من القدرات المتعلّقة بالإدراك، والتقييم، والتذكّر، وأخذ القرارات، وهو ينعكس في بعض الحالات على الأحاسيس، والتصورات، والعواطف، والذاكرة، والتفكير، والرغبات، والدوافع، والخيارات، واللاوعي، بالإضافة إلى التّعبير عن السّمات الخاصة بالشّخصيّة، كما يتصف بكونه ظاهرة يمكن إدراكها، ولا تقتصر على الإنسان، بل يمكن تواجده عند الحيوانات أيضاً، كما يمكن للعقل أن يكون خارقاً، أو مطلقاً، أو فائقاً. وكل ما يخرج عن إطار المعقول يعتبر غير معقول ولو لفترة زمنية محددة، فلو قلت لأحد ما قبل 30 عاماً سيكون معي هاتفي المحمول أتجول به في كل أنحاء العالم، بل وفي الفضاء أيضاً، لقال لك مباشرة: معقول ذلك؟ أعاقل أنت؟ هل أنت مستوعب لكلامك؟ كل هذه التساؤلات تتفق مع عدم قدرة العقل البشري على استيعاب المستجدات حتى يراها بعينيه، ولذلك لازال الناس يتجادلون في الغيبيات ولم يتفقوا على كثير منها. إذاً فاللامعقول هو مرتبط بالتفكير البشري وقدرته على استيعاب الحدث وتقبله.
وثالث المصطلحات هو اللامقبول، وهو من وجهة نظري مصطلح يرتبط ارتباطاً وثيقاً بثقافة المجتمع، وتراثه، حيث تشير كلمة مقبول إلى أقل درجات التوافق المجتمعي على شيء معين، بحيث يكون هذا الشيء مقبولاً من وجهة نظر المجتمع، حتى لو كان هذا الأمر غير معيبٍ ولا حرامًا، ولا خارجًا عن إطار العقل، إلا أنه يظل مرفوضًا لعدم اتساقه مع ما درج عليه المجتمع من العادات والتقاليد، والأفكار.
وغالبًا ما تتغير النظرة للشيء غير المقبول أو اللامقبول بتغير ثقافة المجتمع، سواء بتمدنه نتيجة التعليم والانفتاح على العالم الآخر، أو بتأخره نتيجة تفشي الجهل والتخلف عن المدنية إثر الحروب أو الصراعات المسلحة في المجتمع أو الإقليم.
وعندما تريد هدم مجتمع ما لا تفكر في المنطقي أو المعقول، فكر في المقبول وضع أطرًا من المحرمات والممنوعات الممهورة بتوقيع من يريد أن يبقي المجتمع في جهل وضلال، أو تفسخ وانحلال، فاللامقبول هو ضمير الأمة وعقلها الواعي.
وهذه المصطلحات الثلاثة تمثل وجهات نظر البشر غالبًا إلى الأشياء، وعليه يتم التعامل مع الحدث أو الشيء المراد الحكم عليه، كونه: منطقيًا، معقولاً، مقبولاً، وغير ذلك فهو الرفض التام لهذا الشيء.