هَنيئًا لَهُ قَد طابَ حَيًّا وَمَيِّتًا
فَما كانَ مُحتاجًا لِتَطيِيبِ أَكفانِ
فمن نعم الله على عباده المؤمنين المخلصين مَنحهم حسن الخلق، ومحبة الناس إليهم في حياتهم وبعد مماتهم، والترحم عليهم إذا غابوا عن الوجود..، حيث انتقل إلى رحمة الله (أبو راشد) الأستاذ الدكتور عبدالله بن حمد بن عبدالله الخثران، يوم الأحد 25-3-1443هـ، إثر إجراء عملية جراحية في قلبه النقي الطاهر، وأديت الصلاة عليه بعد عصر يوم الاثنين 26-3-1443هـ، في جامع الأمير فهد بن محمد بطريق الحاير جنوب الرياض. وقد اكتظ المسجد بجموع غفيرة من المصلين داعين المولى له بالرحمة والمغفرة، وإنارة جدثِه - ومن معه من الراحلين -، ثم حُمل جثمانه صوب مقبرة المنصورية جنوبي الرياض..، ومما أثار حزن الحضور تأثر أبنائه تأثرًا بالغًا وهم يتابعون بنظراتهم انهمال التربِ على قبر أبيهم، وبهم ما بهم من حزنٍ عميق، وتحسرٍ على فراقه الأبدي، ولسان حال الجميع يردِّد في خاطره هذا البيت محاولين تسلية كل فرد منهم:
فَلا تَبكِيَن في إِثرِ شَيءٍ نَدامَةً
إِذا نَزَعَتهُ مِن يَدَيكَ النَوازِعُ
كان الله في عونهم وعون أسرته ومحبيه، فالدنيا مهما صفت وطابت فلا بد أن يعقب صفوها كدرُ، فَعَزِّ الفُؤادَ عَزاءً جَميلًا.
وقد ولد في محافظة الحريق عام 1359هـ، بلد الأدباء والشعراء، بعد ذلك بدأ الدراسة في المرحلة النظامية إلى أن حصل درجة البكالوريوس من كلية اللغة العربية بالرياض (الدفعة التاسعة) عام 1386هـ، كما حصل على شهادة الماجستير، وبعدها نال شهادة الدكتوراه بتفوق من جامعة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية..، وقد عُين بعد تخرجه من كلية اللغة العربية مدرسًا في المعهد العلمي بالأفلاج لمدة أربع سنوات، بعد ذلك عمل مُديرًا للمعهد العلمي بحوطة سدير سنة واحدة..، ثم انتقل بعد ذلك إلى كلية اللغة العربية، وبعد أن تم إعلان جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1394هـ/ 1974م، تم تعيينه على وظيفة أستاذ مساعد، ثم ترقى إلى أستاذ مشارك فأستاذ، واستمر في التدريس والإشراف حتى أخلد للراحة متقاعدًا، حميدة أيامه ولياليه، مخلِّفا عددًا من الكتب والبحوث في مجال تخصصه، أشهرها كتاب مراحل تطور الدرس النحوي، وباقيًا أثره في كثير من تلاميذه الذين يلهجون بالثناء عليه. وله مشاركات واسعة في عدد من المؤتمرات والندوات ذات الصلة بالتخصص في مجال اللغة العربية، ولقد أجاد شاعر النيل حافظ إبراهيم حيث قال هذين البيتين على لسان اللغة العربية:
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظًا وَغايَةً
وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
كما أنه عضو في لجنة الفحص واختيار الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية في مجال الأدب لمدة قاربت عشر سنوات.. إضافةً إلى عضويات أخرى لا يتسع المجال لذكرها خشية الإطالة على القارئ الكريم، فجميع أعماله المشرفة وسيرته الحسنة لا تنسى، تغمده المولى بواسع رحمته. وقد طُبِع على سماحة الخلق ولين الجانب والتواضع الجّم:
وَأَحْسَنُ أَخْلاَقِ الفَتَى وَأَجَلُّهَا
تَوَاضُعُهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ رَفِيعُ
ولنا معه بعض الذكريات الجميلة أيام كان مسكنه في حي شبرا بالرياض، وتشريفه منزلنا في محافظة حريملاء في الآونة الأخيرة أكثر من مرة..، هو وابن شقيقي صديقه الدكتور عبدالعزيز بن ناصر الخريف، وستظل تلك الزيارات الحبيبة إلى قلوبنا ذكرى خالدة، وباقية في شعاب النفس مدى العمر. تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم أبناءه وابنته وعقيلته (أم راشد) وجميع أسرته ومحبيه الصبر والسلوان.
فَأَحسَنُ الحالاتِ حالُ امرِئٍ
تَطيبُ بَعدَ المَوتِ أَخبارُهُ
يَفنى وَيَبقى ذِكرُهُ بَعده
إِذا خَلَت مِن شَخصِهِ دارُه
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف