هنالك في كل مجتمع أشخاص ذوو ذكاء عالٍ وقدرات عقلية مميزة أو استثنائية من الجنسين. وهؤلاء الأشخاص سريعو التعلم ولو توافرت الظروف المناسبة لهم في التعليم والعمل والظروف الاجتماعية والحياتية المناسبة أيضاً، لحققوا إنجازات عظيمة ومميزة وذات أثر كبير على المستويات والأصعدة كافة. وهؤلاء الأشخاص عندما يصبحون جاهزين فإن كل ما يحتاجون إليه هو فرصة في هذه الحياة.
هؤلاء الأشخاص من أصحاب الذكاء العالي والقدرات العقلية الاستثنائية من الجنسين تكون الأنظمة التعليمية التقليدية في العادة لا تناسبهم لأنهم بانضمامهم للمجموعات الأخرى في التعلم يُحسون بالملل من الرتم البطيء في التعليم ويُحسون بعجزهم عن تحقيق ذواتهم وعن عجزهم في القدرة على السرعة في التحصيل بالانضمام في العملية التعليمية للأغلبية من متوسطي الذكاء ومنخفضي الذكاء، مما يجعلهم في النهاية يشعرون بالملل والحزن والإحباط والكآبة. هذا الكلام ينطبق عليهم في حال عدم الانتباه لهم والاهتمام بهم، وهو في مراحل التعليم العام والعالي بالنسبة لهم، وفي الحياة عموماً. وفي عالم العمل والأعمال فإن الكثير منهم من الصعب إدارته والتحكم به، نظراً لحاجتهم للاستقلالية والمرونة في العمل وفي ساعاته. والكثير منهم تبقى قدراته وقواه مكبوتة ولكن إذا ما سنحت لهم الفرصة فإنهم ينطلقون بسرعة الضوء ويسطرون أروع وأجمل الأمثلة في النجاح والإبداع والإنجاز والتأثير.
ولقد أثبتت البحوث العلمية الحديثة العلاقة الطردية بين الذكاء العالي ومخاطر الإصابة بالأمراض والاضطرابات العقلية لدى هؤلاء الأشخاص لعدم مناسبة البيئة التعليمية التقليدية لهم والبيئة العملية التقليدية لهم، وأحياناً البيئة الاجتماعية.
وفي مجتمعنا السعودي فإن هناك من ينجح من أصحاب القدرات العقلية الاستثنائية في المجالات العلمية والعملية، وهناك من ينتهي بهم الحال إما بالهجرة (هجرة العقول) أو بالانطواء أو بالإصابة بأحد الأمراض العقلية.
ونظراً لسرعتهم في التعلم واكتساب المهارات ومستوى التحصيل العالي لهم فإن التعليم الذاتي والتعليم النظامي المرن هو طريقة التعليم الأنسب لهم في الحياة لما فيه من حرية وخصوصية ومراعاة لقدراتهم، والذي يجب أن يكون تحت إشراف معلمين وأكاديميين متخصصين. كما أنه في عالم الأعمال فإن الأنسب لهم عدم تقييدهم بمواعيد انصراف وحضور وساعات عمل طويلة نظراً لقدرتهم على الإنجاز الكبير في ساعات معدودة من اليوم مقارنةً مع زملائهم الآخرين، وكذلك مراعاة كل حالة حسب ظروفها، والمهم في الموضوع هو حاجتهم إلى المرونة.
ونظراً لأن هؤلاء الأشخاص ثروة بشرية لا تُقدر بثمن لأي دولة أو مجتمع، بما هم قادرون عليه من إبداع وابتكار وتحصيل وإنجاز وتأثير، فإني أقترح قيام مشروع وطني يشترك فيه جميع المسؤولين من ذوي العلاقة والأطراف والجهات الأخرى، لتحديد هؤلاء الأشخاص من الجنسين لدينا في مختلف المراحل العمرية والقيام بتصميم برامج مناسبة لرعايتهم.
وأتمنى أن يجد هكذا مشروع الرعاية والاهتمام من الجهات المختصة نظراً لأهمية الموضوع.