خالد بن حمد المالك
ما كانت العلاقات السعودية - الفرنسية لتكون لها كل هذا الشأن، وأن تتميز بكل هذه الثقة، وأن تتواصل بعمق من سنة إلى أخرى، لولا أنها اعتمدتْ في كل لقاء تم، واتفاق تحقَّقَ، على رؤية واضحة عمادها الصدق والالتزام والتطابق في وجهات النظر والاحترام المتبادل.
* *
وزيارة الرئيس الفرنسي للمملكة، هي زيارة لحليف وثيق له مواقف تُذكر وتُؤرخ، فهو من طالب بدعوة المملكة وإشراكها في الملف النووي الإيراني، كونها كباقي دول مجلس التعاون متضررة من امتلاك إيران لقنبلة نووية سوف تعرض الأمن الإقليمي واستقرار المنطقة إلى الخطر، بل إنه يرى أن استبعاد المملكة كان خطأً جسيماً، وأنه لا يجب أن يتمَّ أي اتفاق نووي جديد من دون المملكة.
* *
وإذا كانت المملكة تتطلع إلى استثمار هذه الزيارة إلى مزيد من الاحترام المتبادل، وتعميق أواصر التعاون المثمر، فإنها أيضاً تحرص على المحافظة على الاستقرار الإقليمي، والدولي، وتبادل الرؤى ووجهات النظر مع الضيف الكبير، وذلك امتداداً للتفاهمات القائمة بين البلدين بشأن محاربة الإرهاب والعنف والتطرف، وضرورة إيجاد حل سياسي للحرب في اليمن وفق المرجعيات الثلاث.
* *
ويتطابق موقف فرنسا مع موقف المملكة بشأن الوضع في لبنان، وأهمية تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، ضمن تطابق وجهات نظر الرياض وباريس حول العديد من القضايا، ومنها مستجدات الأحداث في العراق، ودعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
* *
إنَّ زيارة الرئيس إيمانويل للمملكة تذكِّرنا بالزيارة التاريخية التي كان قام بها الأمير محمد بن سلمان في العام 2018م، وحينها تمَّ التوقيع على 19 بروتوكول اتفاق بين شركات فرنسية وسعودية، بقيمة إجمالية تزيد على 18 مليار دولار شملت قطاعات صناعية مثل البتروكيماويات، ومعالجة المياه، إضافة إلى السياحة والثقافة والصحة والزراعة، وقد نما حجم الاستثمار منذ هذه الزيارة بنسبة 140 % لعام 2019م مقارنة بالعام 2018م، ليصل إلى 23.8 مليار دولار عبر 259 مشروعاً، وبذلك فقد احتلَّتْ فرنسا المركز الثالث بين الدول المستثمرة بالمملكة.
* *
وتنظر المملكة إلى السوق الفرنسية باعتبارها من الأسواق العالمية المهمة للصادرات السعودية غير النفطية، بدليل نمو صادرات المملكة إلى فرنسا من 3.2 إلى 4.2 مليار دولار بين العامين 207 و2019م، وما زالت الأرقام مرشحةً للصعود لوجود رغبة مشتركة من الطرفين، وثقة بين الجانبين على فتح فرص اقتصادية جديدة للتعاون فيما بينهما.
* *
ومن المؤكد أن هذه الزيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل للمملكة سوف تكون بمثابة مراجعة جديدة للعلاقات السياسية والاقتصادية، واستعراض للنجاحات التي تحقَّقت، والنظر إلى المستقبل بما يزيد من قوة ومتانة هذه العلاقات، والدفع بها نحو الكثير من الفرص المتاحة، فالمملكة تمر الآن بمرحلة نمو هائلة في المجالات كافة، وإصلاحات غير مسبوقة تتيح لفرنسا فرصاً أكثر، وشركات أكبر مع المملكة.