د.شريف بن محمد الأتربي
تظل العلاقات البشرية خاضعة للميول النفسية لدى المتعاملين؛ بل وتطغى عليها في كثير من الأحيان نظرية القبول، حيث يمكن أن يكون كل من الطرفين على قدر عال من الثقافة والتحضر والمعرفة، ورغم ذلك تلعب نظرية القبول دورًا في إذكاء روح السلبية في التعامل بينهما. إن الإنسان بطبيعته الاجتماعية يحتاج إلى القبول من المحيطين به، وبحاجة إلى التفاعل الاجتماعي معهم، حيث إن فكرة الرفض أو الاستبعاد أو الإقصاء الاجتماعي تضع أثرًا مؤلمًا نفسيًا على الفرد، ويتضح هذا جليًا في نظريات وأعمال عالم النفس «إبراهام ماسلو» صاحب نظرية هرم الاحتياجات الإنسانية، ومن ضمنها الحاجة إلى الحب والانتماء لضمان صحة الإنسان نفسيًا.
ولعل من أبرز وقائع الدمج الاجتماعي والتآخي ما قام به رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - قبل أكثر من 1400 عام حين ألّف بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، فأذاب بفعله هذا كل الحواجز الطبيعية التي كانت تؤثر على العلاقات في المجتمع الإسلامي الجديد، بل وأفرزت نماذج لازالت تدرس حتى الآن كنموذج لقبول الآخر.
وفي مجال التعليم تظل الزيارة الأولى للطالب إلى مكان الدراسة محفورة بالذاكرة بكل تفاصيلها، حلوها ومرها. وقد عانى كثير من الأبناء من مشكلة رهاب الدراسة بسبب هذا اللقاء، بل وكثير منهم انصرفوا عن مقاعد الدراسة بسببها.
وخلال رحلة تعلم الطالب على مدار أكثر من 16 عامًا، يقابل أنماطًا متعددة من البشر، هناك من يألفهم ويألفونه، وهناك من يألفهم ولا يألفونه، والعكس صحيح. هذه العلاقات تؤثر على نفسية الطالب وتظل تنغص عليه حياته كلما هم أو فكر في الانخراط في المجتمع سواء الذي يعيش فيه أو أي مجتمع جديد. وجميع حالات الرفض أو القبول سواء كانت من المعلمين، أو من الطلاب أنفسهم منبعها تأثير العامل النفسي على أطراف التعامل أو العلاقة الاجتماعية.
ومع التطور التقني ظهر الإنسان الآلي أو ما يطلق عليه الروبوت (Robot)، وهو عبارة عن آلة صُممت من خلال نظام هندسي يجعلها تعمل كبديل للأيدي العاملة البشرية، ورغم مظهرها غير الشبيه بمظهر البشر إلّا أنّها قادرة على أن تؤدي الوظيفة المطلوبة منها بالطريقة التي يؤديها البشر. وقد عرفها علماء الروبوتات تعاريف مُختلفة أدّى إلى التوصل إلى مفهوم عام للروبوت وهو أنّه آلة تعمل بشكلٍ مُستقل من خلال استشعار مُحيطها وأداء عمليات حسابية لتتوصّل إلى إجراءات مُعيّنة وتتخذ القرارات من خلالها وتُنفذها في العالم الحقيقي.
وقد لعبت التقنية دورًا هامًا في تطور هذه المنتجات، حين بدأ الاهتمام بتقنية الذكاء الاصطناعي (AI)، والبلوك تشين أو سلسلة البيانات (blockchain)، وكذلك البيانات الكبرى (Bigdata)، فأصبحت هذه الروبوتات تملك القدرة على تحليل البيانات واتخاذ القرارات بسرعة تفوق سرعة البشر، وكذلك تتسم قراراتها بالصدق والحقيقة المطلقة، فلا يتخللها أي جانب إنساني يمكن أن يؤثر عليها.
وبالنظر على هذه المنتجات وآلية عملها، وأهمية عدم تأثرها بالجوانب النفسية الإنسانية، نجد أنها ستحتل مستقبليًا محل الكثير من البشر في كثير من الوظائف الموجودة حاليًا أو المستحدثة، ومن هذه الوظائف التي يمكن أن تتواجد فيها الروبوتات: التعليم، فمن خلال هذه التقنيات الثلاثة التي تعمل من خلالها: الذكاء الاصطناعي، وسلسلة البيانات، والبيانات الكبرى، ستتمكن هذه الروبوتات من بناء علاقات اجتماعية إيجابية مع الطلاب مبنية على فهمها لحالتهم النفسية والصحية، ومستويات تحصيلهم العلمية، مما يقلل كثيرًا ويحجم من ظاهرة رهاب المدارس، ونظرية قبول الآخر. ولا توجد عند الروبوتات أية مجاملات يمكن أن تحدث من البشر نتيجة علاقات أسرية أو اجتماعية، حيث تعمل من خلال أنظمة ومعادلات حسابية دقيقة جدًا تجعل التلاعب في عواطفها أو ميلها لطرف على حساب طرف آخر خطأ تقنيًا يستوجب إعادة برمجتها والتأكد من صحة معالجتها حتى لا تؤدي إلى وقوع نفس المشاكل البشرية في الاستقطاب أو الرفض.
ومع انتشار أجهزة الجوال، وأجهزة الألعاب، واستخدام الشركات المنتجة لها لهذه التقنيات السابق ذكرها؛ واعتياد الأطفال قبل الكبار على استخدامها والتعامل معها وألفتها؛ أعتقد أن وجود الروبوت في حياتنا ليصبح جزءًا أساسيًا منها بات وشيكًا، بل ووشيكًا جدًا، ليس فقط في مجال التعليم، ولكن في مجالات الحياة كافة.