خالد بن حمد المالك
كل القنوات اللبنانية لا حديث لها إلا عن الليرة وانحدارها أمام الدولار، وانعكاس ذلك على حياة الناس، وتأثيره على زيادة عدد مَنْ هم تحت خط الفقر في هذا البلد المنكوب، وقَبلاً كان الحديث عن النفايات وتكدُّسها في الأحياء والشوارع دون القيام بأي جهد لإزالتها، وحينًا يكون الكلام عن الكهرباء وانقطاعها المستمر، لعدم توفر المازوت، وأحيانًا عن الانتخابات اللبنانية والخلاف على موعد إجرائها، ومثل ذلك عن مرفأ بيروت، ومصرف بيروت، والتراشق بين الأحزاب، وتوقف مجلس الوزراء عن عقد اجتماعاته بسبب الثنائي الشيعي، واختفاء الدواء. وهكذا، فالإعلام اللبناني لا يجد صعوبة في الحصول على قضايا تكون عند عرضها ملهية للشعب اللبناني المغلوب على أمره عن مآسيه.
* *
فالإعلام اللبناني غريب الأطوار والتوجهات، وهو الإعلام الوحيد في العالم الذي يتميَّز بإجراء المقابلات مع الوزراء والمسؤولين في الأحزاب بشكل متواصل، وخَلْق جو مشحون بالتوتر والخلافات بينهم، كسبًا لرفع نسبة المشاهدة لديه، حتى أن لبنان تكاد تكون الدولة الوحيدة التي يملك كل حزب محطة تلفزيونية تنطق باسمه، وتتحدَّث عن سياساته، وتكون منبرًا للرد على من يتعرض له، بصرف النظر إنْ كان هذا يعارض مصلحة الدولة، ولا ينسجم مع سياساتها، ما جعلها معول هدم لكل ما يمكن أن يكون فيه فائدة أو مصلحة للبلاد.
* *
هذا الإعلام بأسلوبه وطرحه وتوجهاته هو عنصر في إثارة البلبلة بين المواطنين اللبنانيين، وهو جزء رئيس في خلق الخلافات بين لبنان والدول الأخرى، في ظاهرة لا نجد أن إعلامًا يقدم مثل هذه الخدمة السيئة كما يقدمها الإعلام اللبناني، كونه خارج سيطرة الدولة، ويتمتع بحرية (منفلتة) باسم الديموقراطية، والإعلام الحر، وحرية حق التعبير في الرأي، دون حدود، ما جعل هذا العدد من الفضائيات اللبنانية -وهي محسوبة ومموَّلة من دول خارجية- تتحدث بما يتوافق مع سياسات المموِّلين، أي أننا أمام إعلام غريب، يفتقد إلى الهوية الوطنية، وإلى حرية الرأي الحقيقية التي تأخذ بمبدأ الرأي والرأي الآخر ضمن مواثيق الشرف، والرسالة الحقيقية للإعلام النزيه بالفعل وليس من خلال الكلام المعسول المبطَّن. وهذا هو حال الإعلام اللبناني، الذي أضاع لبنان، وألغى هويَّتَه بتبنيه ما يريده أعداء لبنان، سواء بشكل مباشر أو من خلال حزب ينتمي إلى دولة أخرى بغطاء لبناني كما هو حزب الله وإيران.
* *
ومن يتابع القنوات اللبنانية الفضائية سيجد أن أغلب برامجها تتشابه في التركيز على اللقاءات مع المسؤولين والنافذين في الأحزاب، وإن اختلفت في اختيار الضيوف، تبعًا لما يلبي سياسة المموِّلين، كما سيلاحظ أن بقية موضوعاتها تعتمد على نقل الصورة المشوَّهة عن لبنان بعرض سلبي لا يعالج المشكلة، وإنما يضع الحطب على النار لإشعالها وتأجيجها، وهو بذلك أسهم كإعلام -إلى حدٍّ كبير- في عدم استقرار البلاد، وكأنه يؤكد المؤكَّد على أنه لا استقرار ولا معالجة لأي من المعاناة التي يمر بها المواطن اللبناني.
* *
هذا هو لبنان، شئنا أم أبينا، حالة مستعصية على الحل، لأن الرئيس اللبناني والنواب والوزراء والأحزاب يريدونه هكذا تلبيةً لمصالحهم الشخصية، بعيدًا عن مصلحة المواطن الذي ضاقت به السُّبل، وليس أمامه من حلول إلا الهجرة إن استطاع إلى ذلك سبيلاً.