تعد المعالم التاريخية من الركائز السياحية للدول في عالمنا المعاصر.
تتنوع ما بين: مدن قديمة، متاحف، مراكز تراثية.
وتتواجد معظم المعالم في مناطق قديمة في وسط المدن، أو تكون مشيدة في بيئات طبيعية.
وقد أدى ذلك الوضع البيئي إلى صعوبة وصول الأشخاص ذوي الإعاقة خصوصًا من كانت لديهم إعاقات حركية.
لم يدم ذلك الوضع طويلًا حيث اضطرت المدن التاريخية للخضوع لمطالبات الناشطين في مجال الإعاقة من الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم، ومن المهتمين بتمكين ذوي الإعاقة من الوصول إلى تلك الأماكن.
تم إجراء تعديلات بيئية في داخل وخارج المباني، فأضيفت المنزلقات في الأماكن ذات الأرصفة والسلالم، أما تلك التي يصعب بناء منزلقات فيها فقد استبدلت بمصاعد كهربائية. وأقيمت الأرصفة الموصلة بين تلك الأماكن، كما تم توسيع المداخل والأبواب، وتم تكييف دورات المياه، إضافة إلى تفعيل العنصر البشري من خلال مرشدين مدربين لخدمة كل من لديه إعاقة تتطلب الخدمة.
ومع كل ذلك الاهتمام بالمعوقين ظلت فئة المعوقين بصرياً تعاني من نقص حقها في الاستمتاع بالمرافق التاريخية التي كان تركيزها موجهاً لفئة المعوقين حركيًا.
فالمكفوفون وضعاف البصر وإن لم يعانوا من تحديات المعوقات البيئية، إلا أنهم يواجهون مشكلة في معرفة الاتجاهات وطرق الوصول إلى الأشياء البعيدة عن متناول اليد، أو المحفوظة خلف الحواجز.
وكانت الطريقة الوحيدة للتعرف عليها تتم من خلال المرشدين الذين كانوا يتفاوتون في قدراتهم وإمكاناتهم في توصيل المعلومة.
وبسبب تلك المعاناة ظهرت توجهات تطالب بتمكين المكفوفين من لمس المعالم والمعروضات القديمة قدر الإمكان.
فظهرت متاحف تشتمل على معروضات، منها ما هو حقيقي ومنها ما يمثل النموذج الأصلي.
فمن تلك المتاحف:
أولاً: متاحف تعرض أجهزة وأدوات خاصة بالمكفوفين:
1 - متحف (The Marie and Eugene (Callahan وهو تابع لدار الطباعة الأمريكية بولاية كنتاكي، يسمح للمكفوفين بلمس الكتب، الخرائط والمجسمات البارزة، آلات الكتابة الميكانيكية القديمة، معروضات للرواد من دار الطباعة.
2 - (Otto Weidt Museum Workshop for the Blind) في برلين وهو عبارة عن متحف يحكي قصة ملجأ يعود إلى القرن التاسع عشر ملحق به ورشة محمية كان يمارس فيها المكفوفون أعمالاً يدوية متواضعة كصنع المكانس للقطاع العسكري.
3 - متحف (Perkins School for the Blind) في بوسطن بالولايات المتحدة.
ويحوي مقتنيات قديمة منذ إنشاء المدرسة عام 1832م، ومعظم المعروضات ذات علاقة بنظام برايل.
ثانياً: متاحف تعرض نماذج مكبرة ومصغرة للمجسمات مراعية للمقياس الحقيقي للأشكال:
1 - متحف (The Exploratorium) وهو متحف فيزيائي أسسه دكتور كفيف يدعى فرانك أوبنمر، كان ذلك في عام 1969م بمدينة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة. يضم المتحف أكثر من 400 قطعة يمكن لمسها من قبل المكفوفين.
2 - متحف (The Museum of Tactile Antique and Modern Painting) في كل من بولونيا وإيطاليا.
3 - متحف (Montclair Art Museum) في نيوجيرسي بالولايات المتحدة.
4 - متحف (Museum of the Lighthouse for the Blind) في أثينا باليونان.
وعلى الرغم من إيجابية هذه المتاحف الموجهة للمكفوفين وما تقدمه من:
- خبرة لمسية مباشرة للأشياء.
- رفع المستوى الأكاديمي والمهني والثقافي بما توصله من إدراك للمعنى الحقيقي للأشياء.
- زيادة الثقة بالنفس من خلال الفحص المتأني المبني على الشعور بالحق أثناء اللمس.
- تجاوز المزاحمة في عالم المبصرين.
- إدراك مقاييس النسبة والتناسب بين الأشياء بمقارنتها مع ما حولها.
إلا أن هناك سلبيات لهذا النوع من المتاحف اللمسية المتخصصة تتمثل فيما يلي:
- أنها توجد في مساحات محددة، تجعلها تكتظ بالمعروضات عند الرغبة في التوسع.
- أن قلة الزائرين لها من المكفوفين تجعل ساعات العمل فيها محدودة، وبالتالي يحتاج الشخص تحديد موعد لزيارتها.
- على الرغم من أهمية النماذج المحاكية للأصناف الحقيقية إلا أنها لا يمكن أن تعوض الشخص عن قيمة لمس المجسم الحقيقي.
- أن التكلفة الباهظة للمتاحف اللمسية تجعل أعدادها وأماكن وجودها محدودًا جدًا، وبالتالي تقل جدواها الاقتصادية.
- وآخر وأهم هذه السلبيات على الإطلاق تأصيلها لمبدأ العزل الذي تم التخلص منه في القطاع التعليمي وينبغي القضاء عليه في مجال الحياة الاجتماعية.
وقد تبنت بعض المتاحف والمراكز التاريخية العالمية متطلبات الوصول الشامل للبيئة إلا أن مقتنيات المتحف من لوحات أو عينات حقيقية ظلت بعيدة عن متناول اليد بالنسبة للمكفوفين، لتجنيبها التعرض لعوامل التعرية نتيجة اللمس المستمر.
وكحل لتلك المعضلة تمت إضافة بدائل عن الاتصال المباشر بالمقتنيات من خلال المرشدات الوصفية الصوتية إلا أن هذه البدائل لا يمكن أن تقارع كفاءة وسرعة المعلومات والخبرات التي تقدمها حاسة البصر.
ومن أشهر المتاحف الدولية التي فعَّلت حاسة اللمس في مرافقها:
متحف الشمع (Madam Tussauds) في بريطانيا وهو متحف يشتمل على مجسمات من الشمع لشخصيات بارزة في العالم يسمح فيها للكفيف باللمس.
متحف (Prado) في مدريد الذي قام بعرض نسخ ثلاثية الأبعاد للوحات الفنية الشهيرة، ليتمكن المكفوفون من لمسها والتعرف على جوانب الإبداع فيها. وقد ساهمت التقنية المعاصرة في سهولة تحويل اللوحات ثنائية الأبعاد إلى ثلاثية الأبعاد، كما قدمت الطابعات الحديثة إمكانية إنتاج نماذج مقاربة بشكل كبير للعينات الأثرية ليسهل على الزائرين بشكل عام اكتساب الخبرة المعرفية والتفاعل مع المعروضات من خلال استخدام جميع الحواس.
ورغم تبني المملكة لمشروع الوصول الشامل الذي نصت عليه بنود اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مادتها التاسعة، الصادرة عام 2007، التي كانت المملكة من أولى الدول الموقعة والمصادقة عليها لا تزال المعالم التاريخية والتراثية بحاجة إلى:
- تدريب منسوبي المنشأة التاريخية في كيفية التعامل مع المكفوفين وضعاف البصر.
- تفعيل التقنية بزيادة كمية الوصف للأشياء المعروضة خلف الحواجز.
- وضع مسارات إرشادية بارزة وتوجيهات صوتية يسترشد بها المكفوفون.
- السماح للمكفوفين بلمس المجسمات الحقيقية إذا كان هناك عدة نسخ من الصنف الواحد.
- توفير إضاءة جيدة في البيئات الداخلية والخارجية لتمكين ضعاف البصر من التنقل بأمان.
- استخدام الألوان المتضادة لعرض المعروضات المعلقة والمحفوظة.
- إخضاع مكونات الموقع الإلكتروني للمنشأة للمعايير الدولية للوصول الشامل
(world wide web consorsium w3c)، مع توفير مواد نصية تصف محتوى المنشأة التاريخية.
- عمل نماذج لمعالم عالمية مصغرة، يمكن التعرف عليها باللمس.
- إقامة دورات توعوية للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية ولأفراد المجتمع حول الخدمات المتوفرة في المراكز التاريخية، وكيفية الحصول عليها.
** **
- أنور حسين النصار