منصور ماجد الذيابي
إضافة لما تقوم به الأندية الأدبية في المنطقة العربية من جهود كبيرة لإبراز مكانة المشهد الثقافي محليًا وإقليميًا, وكذلك المساهمة في دفع الحراك الأدبي للمسار الشعري باتجاه مستويات تكون عندها القصيدة العربية أكثر غزارة من حيث معدل الإنتاج الشعري للشعراء, وأعلى جودة واتقانا من حيث المستوى الفني للقصيدة العربية للوصول بها إلى أفق يسمح بأن يكون الشعر قادرًا على النهوض مجدّدًا بمهام المحافظة على التراث العربي من ناحية والتأكيد على المفاهيم الدينية والثقافية التي أفرزت لنا عبر الزمن تلك الشمائل والصفات النبيلة والأخلاق الحميدة التي يتحلّى بها الإنسان العربي باعتبار أن الشعر يحظى باحترام وقبول أفراد المجتمع العربي، كما أوضحت ذلك في مقال سابق بعنوان «دور الشعر في ابراز مفاهيم دينية وثقافية».
ولأجل تعزيز دور الشعر في حياة الناس, فإننا قد نحتاج للتأمّل والتفكّر من خلال العودة إلى زمن العصر الذهبي للقصيدة العربية عندما كان الشعراء يجتمعون في سوق عكاظ وسوق ذي المجاز لعرض إنتاجهم من الشعر, والتنافس فيما بينهم بإلقاء أعذب القصائد العربية وأكثرها ابداعاً لغويًا وفنيًا حتى باتت تلك الملتقيات والمنتديات رمزًا للفصاحة والبلاغة, والهاما لشعراء الأجيال التالية, ومرجعا مهمّا للدراسات الأدبية عبر التاريخ.
من هذه المعطيات الأدبية المختصرة, وبعيدا عن جهود إقامة المسابقات والأمسيات الشعرية التقليدية التي لم تقدّم لنا حتى الآن شاعرًا واحدًا أو شاعرة واحدة بمستوى نظرائهم من الشعراء في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام وما تلاه من عهود, ولأجل محاكاة واقع الحياة الأدبية في تلك الحقبة الزمنية أملا بإثراء الحراك الشعري اليوم, وتوثيق الصلة باللغة العربية الفصحى, لغة البيان والقرآن, واكتشاف مجموعة من الشعراء الذين تتوافر لديهم نفس قدرات أبو الطيب المتنبي ولبيد بن ربيعة وغيرهما من شعراء المعلّقات إضافة إلى اكتشاف شاعرات لديهنّ قدرات إبداعية بيانية كتلك التي تميّزت بها أم الأغر بنت ربيعة والخنساء «تماضر بنت عمرو بن الحارث السّلمية», وصفية الشيبانية وغيرهن.., لأجل ذلك أتساءل حول ما إذ يكون بمقدور الأندية الأدبية والجهات المعنية بالشأن الثقافي أن تتّجه لإحياء واستنساخ نشاط الاجتماعات الشعرية قديما من حيث طبيعة المكان ونمط حياة العرب الاجتماعية في العصور المنصرمة سواء ما يتعلق بثقافة اللّباس عند العرب وطريقة إلقاء القصائد ونبرة الصوت الجهوري وما إلى ذلك من خصائص اللباس والأداء اللفظي عند الشعراء, وأصول استقبال وإكرام الضيوف.
ولمحاكاة واقع الزمن القديم وإحياء موروث الفعاليات الأدبية العربية, فحبّذا لو يتم اطلاق ملتقى أدبي للشعر يتضمّن دعوة الشعراء وجمهور الشعر العربي للمشاركة وحضور منافسات شعرية تقام على تخوم القرى والواحات وعلى جنبات الكثبان الرملية حيث يمكن نصب الخيام هناك بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص وهواة الرحلات البرّية لإعداد وتجهيز وتزويد المخيّمات بكل متطلبات المشاركة والحضور لهذا الملتقى الثقافي إضافة إلى قيام الجهات المنظّمة بتخصيص مجموعة من الخيم للشاعرات منعا للاختلاط بالشعراء الذكور, وأن يقوم المنظّمون بتوزيع بطاقة «خنساء» لكل شاعرة مشاركة, وتوفير دائرة تلفزيونية مغلقة لنقل المشاركات الشعرية للمتنافسات في الملتقى.
ومن أجل محاكاة البيئة العربية وطريقة الحياة السائدة آنذاك, فإنه ينبغي استبعاد جميع وسائل النقل الحديثة من الوصول إلى المخيّمات, وأن يتم نقل أعضاء لجنة التحكيم والشعراء والضيوف وفريق الاسعاف الطبي بواسطة قافلة من الإبل العربية الأصيلة لتنطلق من ضواحي المدن والقرى المأهولة, مروراً بالرّمال والهضاب والشعاب والواحات, وحتى وصولها إلى مقر الملتقى حيث تقام الفعاليات الأدبية والأمسيات الشعرية.
وفي ختام فعاليات الملتقى وبعد إعلان النتائج للفائزين يمكن لأعضاء اللجنة الدينية إبرام عقود زواج بين الحاصلين على المراكز العشرة الأولى من الشعراء الذكور والإناث, وذلك بهدف إنتاج سلالة جديدة لجيل قادم من الشعراء المميّزين بخصائص جينية وراثية معينة, والقادرين على إخراج القصيدة العربية واتقانها بنفس المستوى الذي تميّزت به قصائد الآباء والأجداد وصارت فيما بعد أمثالاً وحكماً مأثورة كما أوضحت ذلك في مقال سابق بعنوان «أبيات شعرية صارت أمثالاً وحكماً مأثورة».
ومن تلك الأبيات التي تميّزت وبقيت في ذاكرة الناس قول الإمام الشافعي:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيبٌ سوانا
وقد نهجو الزّمان بغيرِ جرمٍ
ولو نطق الزمانُ بنا هجانا
وممّا قاله المتنبي:
أنا الّذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صَمَمُ
كما نتذكر بيت الشعر المميّز لأبي الأسود الدؤلي:
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله
عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
ولا نزال نتذكر البيت المشهور لحافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
وعن الأم أقول:
ليس كمثل الأمّ في التعليم مدرسةٌ
تعطيك من فيض المشاعرِ والقيم
فلا تكن عن مبدأ الاحسانِ للأمّ غافلاً
لئلاّ يغضب الرحمنُ من فعلك الاثم