د. محمد بن إبراهيم الملحم
التعلم الاختياري Free Choice Learning مصطلح خاص بالموقف التعليمي الذي يتعلم فيه الإنسان بدوافع ذاتية مدفوعاً بشغفه الخاص للمعرفة والتعلم، فقد يكون مهتماً بموضوع ما سواء درسه رسمياً أو سمع عنه ولكن استهواه أن يتعمق فيه أكثر، بل ربما أحب شيئاً لم يتعلم عنه من قبل فرغب أن يتعلمه من البداية، مثل تعلم لغة أجنبية مثلاً أو استكشاف معلومات عن دولة ما، أو فهم سيرة شخصية معينة، وربما ظهرت له صعوبة في شأن من شؤون حياته فتوجه إلى مصادر المعرفة للاستزادة عنها كأن يصاب بمرض ما مثلاً فيقرأ عن أنواع الأدوية ومضاعفاتها وطرق التعايش مع المرض وأهم التوصيات حول ذلك أو تكون لديه سمنة مثلاً ويود التخلص منها بمنهج تغذية مناسب لظروفه فيتعرف على مفهوم السعرات الحرارية ومقاديرها اليومية وما إلى ذلك، وربما تعرض له مسألة فقهية يود معرفة الحكم فيها، وربما وهو يبحث في حكمها مر على كل أو أغلب آراء العلماء فيها وترجيحاتهم فكسب علماً غزيراً في تلك المسألة، والمبهر في الأمر أن كل هذه المعارف المكتسبة من خلال التعلم الاختياري تتسم بالثبات والاستقرار لدى المتعلم فلا ينساها بسهولة، بل هو في كثير من الأحيان لا يحتاج إلى ممارسة «تكرارها» للحفظ كما يفعل في المعرفة التي يكتسبها من خلال التعلم الرسمي بالمدرسة، وأثق أن أغلبنا مر بمثل هذه التجربة يوماً ما. وهو ما يوضح أهمية وقوة التعلم الاختياري في الوقت نفسه، وهذا هو أحد أهم الأسباب التي تجعل من المقولة الشائعة «إن مدرسة الحياة أهم من المدرسة الرسمية» هي مقولة صحيحة وواقعية فعلاً.
إن هذه الحقيقة حول التعلم الاختياري هي ما يجب أن يتأمله الوالدان في تعاملهما مع أولادهما بشأن زرع أهمية العلم وفكرة التعلم قبل أن يدخلوا المدرسة بحيث يتعود الأطفال على مبدأ «البحث عن المعرفة»، وينمو لديهم هذا الشغف كما يكتسبون الثقة في الذات نحو قدرتهم الشخصية في العثور على المعلومة وتكوين الخبرة المعرفية، فمثلاً لا يجب أن يبادر الوالدان إلى إجابة أي سؤال من الطفل، بل عليهم أن يتأملوا في السؤال أولاً فهناك أنواع من الأسئلة يمكن للطفل أن يجيب عنها من خلال خبرات سابقة مماثلة أو ربما يمكنه أن يخرج بتوقع معين حول إجابة ممكنة لسؤاله، وهنا على الوالدين أن يقولوا للطفل «سوف نجيبك ولكن أخبرنا أولاً ماذا تعتقد أنت؟» وفي بعض الأحيان يمكن أن نقرب تفكير الطفل من الإجابة المناسبة لسؤاله بطرح بعض الأسئلة عليه حول أمور هو يعرفها ثم نقول له بناء على إجاباتك هذه هل يمكنك الآن أن تتوقع إجابة مناسبة لسؤالك أنت؟ وهكذا يستثير الوالدان شغف «التعلّم» الذاتي كل مرة لدى الطفل، حتى تأتي اللحظة التي يمكن أن يقولا فيها للطفل «لماذا تسألنا فوراً؟ هل فكرت أنت في إجابة مناسبة قبل أن تسأل؟» وهكذا سيغدو التفكير الفردي والتعلم الذاتي ممارسة مستمرة، يتوجها أنه عند قرب دخول الطفل المدرسة تقدم له أنها مصدر جديد من مصادر المعرفة سيجد فيها إجابات لأسئلة جديدة وربما أيضاً يجد فيها أسئلة جديدة لم يطرحها هو. ومع هذه التهيئة تستمر التربية القائمة على تقدير التعلم الاختياري خلال سنوات الدراسة بطرح تساؤلات على الطالب من وقت لآخر مما ليس له علاقة بالمنهج ليحاول البحث عن إجاباتها من المصادر الممكنة حوله: مثل المكتبة أو الإنترنت مما يعزز لديه مبدأ التعلم الاختياري ويجعله طريقة حياة كما يرفد بشكل أو بآخر التعلم الرسمي بنفس الروح والشغف للعلم والمعرفة الذي حركه التعلم الاختياري.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً