د.عبدالله بن براهيم بن محمد العجاجي
من الضروري جداً قبل الدخول في تفاصيل ما سأتحدث عنه اليوم حول التعليم العالي استحضار مقابلة صاحب السمو الملكي ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله). خلال المقابلة، الشهيرة التي أجريت مع سموه الكريم يوم 16 رمضان 1442هـ، التي أجراها الإعلامي البارع عبدالله المديفر. بمناسبة مرور 5 سنوات على (رؤية السعودية 2030). تلك المقابلة التي ما زالت مراكز البحوث العلمية والتفكير المحلية والإقليمية والدولية (Think Tanks) تعكف على قراءتها، واسترجاعها، وقراءة (ما وراء الخطاب فيها) كلما حدث تطور على تلك المستويات. في مجالات عدة، وعلى جميع المستويات (محلياً، وإقليمياً، ودولياً). ولا أشك أن ذلك سيستمر لأشهر أو ربما لسنوات، ما لم يحدث شيء يجعل (أمير الرؤية ورائدها يتحدث من جديد).
وأنا سأحصر مقالتي هذه حول قضية ألقى سموه حجراً في مائها، وترك لأبناء المجتمع (على اختلاف أسمائهم، ومستوياتهم وثقافاتهم ) تحليلها، بل وتحليل ما وراءها..
وأنا، كمواطن من أبناء هذا البلد المعطاء معني بها كما هو حال غيري كثير من أبناء وبنات هذا الوطن، كما أني من بين المعنيين بها (المقابلة)، لذا استمعت لها في حينه، وأعدت الاستماع لها في تسجيلاتها المتوافرة على بعض الوسائل المتوافرة، كما أني قرأت بعض ما كتب عنها، وهو كثير، ليس هنا المجال لحصره، ولا مناقشته.
- تحدث سمو الأمير بمنتهى الوضوح والشفافية، عما تحقق من أهداف الرؤية وما لم يتحقق، وتوقعات سموه وتقديراته للنمو المتوقع بعد الجائحة.
- كما تحدث سموه عن أمور أخرى تتعلق بالرؤية وكيف ستحقق الحكومة المتبقي من أهدافها.
- تحدث أيضاً، عن عدة أمور أغلبها ذات علاقة بالتنمية المتوقعة، والنسب التي تحققت مما كانت تطمح له الحكومة، على اختلاف أجهزتها ومؤسساتها، إضافةً لما لم يتحقق، وكان حديثاً صريحاً لا تنقصه الشفافية.
- عرج على موضوع علمي أكاديمي، لم يطل الحديث عنه ولا عن كيفية تحقيقه حينما أشار إلى أن طموح سموه الكريم أن تكون جامعة الملك سعود واحدةً من «أفضل عشر جامعات في العالم» وهنا بيت القصيد... ما أبعاد تحقيق ذلك، وكيف؟
واجتهد الكثير من المواطنين والأكاديميين في تحليل ذلك وإعادة قراءة عبارات الأمير، لكن حتى كتابة هذه السطور لم أقرأ تحليلاً شاملاً يناقش ذلك، وأحسب أن الجهات ذات العلاقة في الجامعة الفتية المتجددة تعيد قراءة تصريح الأمير وتستعد لذلك، وهذا بالطبع ليس الهدف من هذه المقالة المختصرة!
الهدف من هذه المقالة هو إعادة قراءة موضوع يمس أبناءنا وبناتنا العاملين والعاملات في مجال إعداد المعلم/ المعلمة.. وأقصد هنا كليات التربية. والمقصود أن ملف إعداد المعلم هو أحد الملفات المهمة التي تعتني بها الأمم في حراكها العلمي والتعليمي، إضافةً إلى أنها (كليات التربية) لعبت وتلعب دوراً رئيساً في التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية في أي مجتمع، والمجتمع السعودي (الفتيّ)، من بينها.
وما دعاني لكتابة هذا المقال هو الربط بين طموح سموه وربطه بمستقبل التعليم الجامعي في بلادنا في مختلف المناطق، والمحافظات. وبخاصة منه ذلك الجزء من التعليم الجامعي الخاص بكليات التربية في المملكة، كما قرأته أنا.
يفوق عدد كليات التربية في المملكة أربعين كلية تنتشر في أرجاء وطننا العزيز، قدمت خلال الثلاثين سنةً الماضية خدمات جليلة من خلال برامج إعداد المعلمين والمعلمات، وكان من اللافت في تلك الكليات أن الأعداد التي تستقبلها تلك الكليات أعداداً كبيرة بسبب الظروف التي أسست خلالها تلك الكليات. فأغلب تلك الكليات أنشئت خلال الفترة التي كانت تشرف على إعداد المعلمات (الرئاسة العامة لتعليم البنات)، حيث بلغ تعداد كليات إعداد المعلمات حينها أكثر من مائة كلية، يضاف لذلك كليات إعداد المعلمين، التي كانت تشرف عليها وزارة (التربية والتعليم، والمعارف، سابقاً).
وكان تعدادها زهاء 15 كلية طورت مما كان يعرف ببرامج الدبلوم الخاص بإعداد المعلمين. جميعها ضمت إلى الجامعات السعودية قبل حوالي عشر سنوات أو أقل، تلك الجامعات التي كانت لدى البعض منها أصلاً العديد من كليات التربية. تأتي على رأسها جامعة الملك سعود وأم القرى، والملك عبدالعزيز والملك فيصل.. وغيرها.
بعد ذلك أوكلت إلى (وزارة التعليم العالي) في العام 2015م، دراسة واقع تلك الكليات بعد ضمها إلى الجامعات السعودية. وكان لي الشرف أن أكون ضمن فريق من الأكاديميين، الذين أحسب أنهم من أكثر الزملاء تميزاً في نزاهتهم، وموضوعيتهم. قام هذا الفريق بزيارات ميدانية لأغلب تلك الكليات، وأجرى عشرات المقابلات مع مسؤولي ومسؤولات تلك الكليات وأعد تقريراً شاملاً لا تنقصه الصراحة والموضوعية عن واقع تلك الكليات، وانتهى ذلك التقرير إلى الجهات ذات العلاقة في التعليم العالي، في حينه (التعليم) حالياً، وهنا أطرح بعض التساؤلات، مذكراً بما لي من حقوق وعلي من واجبات، ليس فقط نحو هذا الملف بل نحو التعليم ككل:
أولاً: ما دام أن التقرير أعد في عام 2015م، فإني أقدر أن الكثير من الوقائع والإحصاءات التي تخص كليات التربية قد تغير بشكل جزئي أو جوهري: بمعنى هناك إحصائيات بالإضافة إلى الكثير من الوقائع التي أحدثتها تلك الجامعات في مختلف مؤسساتها، وكلياتها، وليس فقط كليات التربية، وعليه فإن ما يجري حالياً في كواليس وزارة التعليم (قطاع التعليم العالي)، مما يكثر الحديث عنه هذه الأيام من إثارة موضوع (إعادة هيكلة كليات التربية) هو متأخر بل متأخر جداً..
فهل يعقل أن يكون مصطلح (إعادة هيكلة كليات التربية) بناءً على ذلكم التقرير، إذا قيل نعم! فهذا غير ممكن لأن التقرير أصبح قديماً وما فيه هو إحصائيات غير مفيدة البتة. وإن قيل إن إعادة هيكلة كليات التربية يتم بناءً على دراسات أحدث وإحصائيات حديثة (وهذا هو المأمول)، فإن سؤالاً مهماً، أكثر إلحاحاً، هو هل هي فقط كليات التربة هي التي تحتاج لإعادة هيكلة!؟
الجواب أنه بالتأكيد لا، فأنا أجزم أن جميع مراحل التعليم الجامعي في بلادنا بحاجة لإعادة تشكيل تبنى على دراسات أكثر عمقاً مما سبق، بل حتى أكثر عمقاً مما جرى في تلك الدراسات المشار إليها أعلاه.
فتخصصات كـ(الهندسة، والعلوم، والزراعة، والحاسب الآلي... الخ)، بل والطب بمختلف تخصصاته، جميعها تتطلب تقويماً شاملاً مبنياً على الحاجات الفعلية للوطن، ونوع التعليم الجامعي المطلوب بما يتفق وواقع المجتمع، وبخاصة على ضوء (رؤية السعودية 2030)، وما تعرضت له البلاد خلال العامين الماضيين من تجربة التعليم والتعلم خلال الجائحة (كورونا).
بل إنني أستطيع أن أراهن على أن أوضاع كليات التربية أسهل من واقع الكثير من الكليات والتخصصات، وذلك لأن التقرير المشار إليه طرح بديلاً سريعاً كان سيخفف عبء تلك الكليات على الجامعات وعلى الوزارة، حيث اقترح فيما أذكر بديلاً مصيرياً وهو إجراء علمي وعالمي تقوم به أغلب الجامعات الناجحة في مختلف دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعرف بالاعتماد الأكاديمي. فما هو ذلك الاعتماد، وكيف يمكن أن يخدم إعادة هيكلة كليات التربية في المملكة العربية السعودية؟