معتصم باكراع
الانطباع الأول هو الأول فقط وليس الأخير. هل تستطيع أن تحكم على شخص من المرة الأولى؟
دعني ألقي نظرة عملية لواقع النظرة الأولى على مختلف الجوانب الأخرى، لو امتلكت الحق في الحكم على شخص بعمره الذي أمامك وتجاربه التي قضاها وخبرة حياته سواء القصيرة أو الطويلة في الحياة فلربما أنك تجاوزت حد الفراسة إلى مرحلة ميتافيزيقية لا يستطيع أن يدركها العقل البشري بعد.
لماذا بعد أن تقضي سنوات مع شخص لفترة طويلة من الوقت تدرك حينها أنه قد خابت توقعاتك فيه.
إذن كيف تحكم على إنسان من نظرة سطحية لا تتجاوز بؤبؤ العين؟
الانطباع الأولي هو النظرة الأولية بدون أي إضافات، حينما تذهب إلى تجربة الجمادات تستطيع أن تكونها وتقلبها بل تصنع منها حلولاً منطقية لمشاكلك، على الرغم من أنها جمادات فما بالك بالإنسان الذي يملك أحاسيس ومشاعر متباينة، وأفكاراً وقناعات مختلفة، تتغير مع مرور الزمن.
على سبيل المثال المصباح وقصة توماس أديسون الشهيرة ومحاولاته مع ذلك الكيان الصامت إلى أن جعله ينطق حينما حدث انفجار في معمله من كثرة تجاربه، ومن ثم أخرج لنا المصباح، لم يحكم على الدوائر الكهربائية الصامتة، أو أي أمور تخص المعادلات السابقة في ذلك العصر الذي يفتقر للإضاءة على أنه بنفس الكيفية وبنفس القدرة، بل استطاع أن يتجاوز الانطباع الأول بانطباع التجربة عن طريق المحاولة والخطأ.
فالنفس البشرية أكبر من أن توضع في بوتقة الأحكام المسبقة وكأنها معلبات جاهزة بنفس المقدار وتاريخ الصلاحية.
الحكم على الآخرين بهذه السرعة ما هو إلا عجرفة وسوء ظن، فمهما امتلكت من خبرة الحياة أو كنت من أصحاب ملكة الفراسة لا تستطيع الحكم على شخص من المرة الأولى، وما أدراك أن هذا الشخص الذي قابلته في المرة الأولى حزين مثلاً، أو شخص لديه طاقة وحيوية لمجرد لحظات بينما طبيعته يغلب عليها الاكتئاب.
لا أستطيع الحكم على شخص من النظرة الأولى وإنما أقدم حسن الظن وأعطي نظرة مبدئية، كالمسودة التي تكتبها لتعدلها عشرات المرات، فإن أخرجت مسودتك للنشر في المرة الأولى سوف تكون النتيجة كارثية: أخطاء إملائية وأفكاراً تحتاج إلى التنسيق، بل إعادة صياغة جمل، ووضع علامات الترقيم، فهل تستطيع أن تُخرج نصاً بهذه الركاكة قبل أن تعيد مراجعته؟
يقول سيغموند فرويد (من المستحيل الهروب من الانطباع بأن الناس يستخدمون عادة معايير خاطئة للقياس) فالقياس والتحليل يختلف من شخص إلى آخر، ولكن الحكم على الآخرين من الانطباع الأول هو اختيار وتفضيل شخصي.
النظرة الأولى ترتبط بجميع العوامل التي تؤدي إلى الفشل حينما تصاب بالإحباط وتنظر بسلبية إلى نفسك على أنك شخص فاشل بناء على نظرتك الأولية تجاه تجربة معينة فقد أسأت التقدير إلى شخصك الكريم، فالنظرة الأولى تبقى الأولى وقد لا تكون صحيحة على الإطلاق وهي لا تقتصر على الآخرين فقط بل تتجاوزهم إلى النظرة الشخصية تجاه نفسك وعالمك الخاص.
كثير من العلماء والمفكرين استُبعدوا من مدارسهم بناء على النظرة الأولى قصيرة المدى، بل حتى وصل الأمر باتهامهم بالضعف العقلي، وأيضاً قلة الاستيعاب في ذلك المجال الذي نبغوا فيه فيما بعد، بناء على الانطباع الأولي المغلف بسطحية التقدير، فالعين تحكم بما تراه ولكن دائماً مصطلح (بعد النظر) يبقى حاضراً لرؤية الأشياء الخارجة عن نطاق العين.
هناك عبارة تقال بأن المظاهر خداعة فهل تستطيع خداع نفسك بانطباعك الأول؟