د. أحمد محمد الألمعي
بعث الله نبينا بآخر رسالة سماوية للبشرية، وميز الله هذا الدين بأنه دين اعتدال وسطي في جميع النواحي. وقد حث نبينا على حسن المعاملة والابتعاد عن العنصرية ومظاهر التطرف مما ساعد على انتشار هذا الدين في جميع أصقاع الأرض وبين شعوب وأجناس مختلفة لم يكن هناك ما يجمعها كاللون والعرق أو اللغة أو عادات اجتماعية. وهناك الكثير من النصوص التي تنهى عن العنصرية «دعوها فإنها نتنه» و»لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى». وتتجلي عظمة هذا الدين في العدل والمساواة في موسم الحج حين يجتمع المسلمون من كل زوايا الأرض في المشاعر المقدسة باختلاف ألوانهم وأعراقهم في لباس أبيض موحد لتأدية الركن الخامس من ديننا. وقد أُبتلي هذا الدين كغيره من الأديان بكثير من المتطرفين الذين شوهوا رسالة السلام التي بعث بها نبينا محمد، فقاموا بالأعمال الإرهابية وأفعال مشينة لا تمت للإسلام بصلة كانت سبباً في ارتباط ديننا في الغرب بالتطرف الفكري والإرهاب للأسف الشديد. ويقوم ولاة أمرنا وفقهم الله بمكافحة التطرف والإرهاب بشتى صوره، فقد أسس خادم الحرمين الشريفين مركزاً لمكافحة الإرهاب والتطرف، ويقوم ولي عهده الأمين بنشر هذه الرسالة والتأكيد على أهمية العودة إلى الوسطية في التفكير، فقد اتضح للجميع بدون أدنى شك عواقب الممارسات الإرهابية كما رأينا في دول الإسلام السياسي، ونرى ما آلت إليه الأمور في هذه الدول من فقر واضطرابات وانعدام الأمن وتدمير مستقبل الشباب في تلك الدول. ولنستمر في هذه المسيرة الوسطية علينا أن ننشر الوعي في مجتمعاتنا بمساوئ التشدد ومحاسن الاعتدال وتقبل الآخر. ولا نزال نلاحظ مظاهر التطرف الفكري في بعض مجتمعاتنا لأن هذ التفكير بالنسبة لبعض الأفراد يشكل ملاذاً آمناً يغذي عقيدة تفتقد للمرونة في التعامل، فنرى ردات الفعل المبالغ فيها في مواقف لا تستدعي الشدة والغلظة، وتكون عادة في أمور ليست من أصول الدين وإنما أمور فرعية وهناك الكثير من الأمثلة على هذه المسائل.
وأنا كطبيب نفسي ممارس منذ أكثر من ثلاثين عاما أميل إلى تحليل الأمور من زاوية نفسية، ترتكز على ملاحظة الأفراد وتصرفاتهم التي تستحق الدراسة والتأمل. فسلوك بعض الأشخاص المنهجي في كثير من الأمور يوحي بالتشدد العقدي غير المبرر في كثير من الأحيان، ويمكننا التنبؤ بكثير من الدقة الموقف أو الرأي الذي سيتخذه شخص ما في موقف معين أو مسألة معينة بناء على طريقة التفكير وبناء على مواقف سابقة. ففي الغرب نرى المسيحيين اليمينيين يتخذون مواقف متشددة من مسائل معينة تحدد اتجاهات أحزاب وجماعات سياسية ودينية، والمتابع للشأن السياسي والديني في بعض الدول الغربية يستطيع بكل سهولة التنبؤ بمواقف هذه الأحزاب من مسائل معينة. فالفكر المتطرف والإرهاب ليس حكرا على دين أو مذهب أو جماعة معينة. واذكر هنا بعض التجارب في سن المراهقة لبعض الأقران منها تجربة مع أحد الأشخاص الذي كنا كمجموعة نتجنبه بسبب تعاطيه للمخدرات وكنا نراقبه عن قرب لكيلا يضع حبوب المخدر في إبريق الشاي فقد تعود التهديد بهذا كنوع من المزاح، ورأيت نفس الشخص في سن الخمسينات يصبح متطرفا دينيا يهاجم كل من يختلف معه في الأمور الفرعية في الدين هجوما شديدا، والتهمة دوما جاهزة وهي «هذ ليبرالي» والحقيقة لا أعلم ماذا تعني هذه الكلمة فهل تعني كل من يخالفك الرأي أو من ابتعد عن الدين وترك أركانه أو هو مجرد شخص معتدل التفكير وللمعلومية فصاحبنا هنا قليل التعليم ولا أعتقد أنه يدرك ماذا تعني كلمة ليبرالي، ونرى من يثور عند كتابتي مقالاً عن اليوم الوطني لأنني استعملت عبارة العيد الوطني ويعتبرها «سقطة» وللمعلومية فقد نشأت نشأة دينية فقد كان والدي أطال الله في عمره إمام مسجد وكان أيضا مثقفاً معتدلاً ومن أوائل المبتعثين لخارج المملكة الحاصلين على شهادة جامعية ممن تخرجوا من ثانوية تحضير البعثات في مكة المكرمة وكانت وقتها الثانوية الوحيدة في المملكة. الذي يجمع بين كل هذه الآراء والمواقف هو التشدد والتطرف. رؤية سيدي ولي العهد واضحة «لن نضيع أربعين أو خمسين سنة أخرى في تغيير هذ الفكر المتشدد» والذي سيطر في فترات معينة من تاريخ المملكة على إدارات معينة مثل التعليم وغيرها. وسياسة التجنيس في المملكة بمنح المتميزين جنسية هذ الوطن هي دليل واضح على سياسة المملكة التي تنبذ الطائفية. ويختلط التطرف الفكري في أحيان كثيرة بتفكير قبلي أو مجتمعي عنصري ونرى بعض الأشخاص يتخذومواقف متشددة من مسائل معينة اجتماعية أو دينية وهي خليط من العنصرية والتشدد الديني والنتيجة موقف عنصري متطرف بغطاء ديني وما أكثر المتاجرين بالدين هذه الأيام. هناك الكثير من النصوص في ديننا من القرآن والسنة وتختلف المذاهب باختلاف الدول، تدعو إلى الوسطية والاعتدال وهي من أهم سمات هذ الدين الذي يجب أن نتحلى به كمجتمع نطمح لقيادة المجتمعات الإسلامية فكريا وعقائديا وسياسيا والدين المعاملة. حفظ الله قيادتنا وشعبنا وهدانا وإياكم إلى سواء السبيل.