م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - الكتابة بالنسبة للكاتب شيء آخر.. فهي لا تحمل ذات المعنى الذي يحمله بقية الناس عنها من أنها مجرد وسيلة للتوثيق وتدوين المعلومات.. فالكتابة لبعض الكُتَّاب وسيلة تنفس.. لذا فهم يصفونها بأنها رئة ثالثة لهم.. وللبعض الآخر من الكُتَّاب هي وسيلة للتعبير والإفصاح التي بسواها لا يستطيع أن يقول أي شيء.. وهناك من يرى في الكتابة أنها طريقه للخلود سواء لنفسه أو لمن يكتب عنهم.. هناك من يستخدمها للوصف أو الرصد.. وآخرون يستخدمونها للمدح أو الذم.. وآخرون يستخدمونها للتوثيق والتأريخ.. أو الرسم بالكلمات أو التعبير عن الحب أو الكراهية.. لكن الأكيد أن الكتابة هي بوح حقيقي لما يجول في النفس.. فكل ما يعتمل في نفسك تخرجه الكتابة وهذا أمر صحي.
2 - الكتابة ربما تكون موجهة لطاغية وربما تكون لمعشوق طار صواب الكاتب هياماً به.. وكلاهما جبار ظالم.. كلاهما يؤول الكلام ويفسره.. لذلك تكون الكتابة لهما كالسير على حد السكين.. إذا تقدمت جَرَحَك وإذا توقفت جرحك وإذا تراجعت جرحك.. فأنت في كل الأحوال مجروح مجروح مجروح.. هكذا هي حال الكاتب.. لا أحد يقرأه كما هو أو كما يريد أن يقول بل يتم تحليل ما يقول وفق اتجاهات ورغبات وأهواء كل قارئ.. والكاتب دائماً هو الضحية سواء من رقابة الدكتاتور الظالم أو رقابة الحبيب الظالم.. فهو حيثما اتجه مظلوم.
3 - قبل البدء في الكتابة تكون لدى الكاتب فكرة مجردة ليس إلا.. لكن كيف سوف يعبر عنها فهذا أمر آخر سيكتشفه حينما يبدأ بالكتابة.. إنه لأمر مدهش حقاً! كيف أن ما تكتبه فعلاً يكون غالباً مختلفاً عما تستحضره قبل الإقدام على فعل الكتابة.. بل إن الكتابة أحياناً تكشف للكاتب زوايا لم تخطر له على بال ولم يلحظها ولم يفكر بها إلا حين بدأ في الكتابة.. ومن العجيب أن تكون الكتابة وسيلة للاكتشاف ربما لأننا حينما نكتب نمعن التفكير بخلاف حينما نتكلم.. وهذا يتيح لنا رؤية أمور لم نلحظها ونحن نفكر بالأمر بشكل عام.. وهنا تتحول الكتابة إلى وسيلة تفكير.. والحقيقة المتفق عليها أننا حينما نكتب فإننا نقرأ مرتين.. وهذا تأكيد على أن التركيز هو الذي أدى إلى اتساع الرؤية وهذا بدوره أدى إلى الاكتشاف.
4 - من المشاكل التي يمكن أن يعاني منها الكاتب أنه مهما كان محترفاً إلا أنه يقع أحياناً في فخ الكتابة لنفسه.. يكتب وكأن القارئ لديه خلفية عما يحيل أو يلمح أو يشير إليه.. ويغيب عنه أن القارئ لا يعرف.. وبالتالي تأتي كتابته أشبه بالرموز أو الطلاسم التي تحتاج إلى من يفك شفرتها لفهمها.
5 - قرأت يوماً رأياً لكاتبة لاتينية حول الكتابة.. وأنا اتفق معها.. حيث تقول: «فقط في حالتي الولادة والكتابة يقترن العذاب بالمتعة، واللذة بالألم، والقنوط بالرجاء.. ففي هاتين الحالتين فقط تتكامل الأضداد، وتلتقي المفارقات، وتتشابك المتنافرات».. المشكلة في الكتابة أنها رديفة القلق.. وأنها لا تأتي بالحلول.. بل تثير الأسئلة وتعقّد الأمور في عقل الكاتب.. لذلك الكتابة دائماً قرينة الشكوى، والألم، والطلب، والتمني، والرجاء، والتوسل، والاحتجاج، والتهديد.. لهذا يعد الكاتب عبر التاريخ مشكلة بحد ذاته لا يأتي منه سوى الصداع وإثارة الأسئلة المسكوت عنها.. إنه صانع المشاكل الذي يجب كتم قلمه وإن لزم الأمر كتم أنفاسه.