عبدالوهاب الفايز
نعود لقضايا وحقوق المستهلك، بالذات القضايا والتحديات الجديدة التي تجعلنا في حاجة للتعامل مع واقع جديد يصعب الإحاطة بتعقيداته، فحماية المستهلك تتطلب دخول مؤسسات وجمعيات القطاع الثالث لبناء (الجهد التشاركي) الخيري المستدام الذي يجمع ويحفز الجهد الاجتماعي الذي يحول قضايا المستهلك إلى خدمة مجتمعية، بالذات بعد دخول تطبيقات (الذكاء الاصطناعي).
المخاوف من دخول الذكاء الاصطناعي بشكل واسع في شؤون الحياة بعد تطور آليات brain hacking أي اخترق الدماغ والتلاعب في السلوك والمشاعر والاتجاهات، هذه المخاوف تدفع الآن بالمنظمات والتكتلات الدولية مثل اليونسكو والاتحاد الأوروبي للاهتمام بتطوير التشريعات الحاكمة لكل عمليات التعامل والتفاعل مع بيئة الذكاء الصناعي. البرلمان الأوروبي لديه فريق من القانونيين والمختصين يجري الدراسات الأولية لتوثيق وتقييم ممارسات الأسواق لاستخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الشركات، ولمعرفة المخاطر التي يتعرض لها المستهلكون والمجتمع تمهيداً لوضع قانون (المستهلك) والذكاء الاصطناعي.
أيضاً من الخطوات الدولية المهمة، التي مرت بدون أن تلقي الاهتمام، اتفاق الدول الأعضاء في اليونسكو الخميس الماضي على (اعتماد أول اتفاق عالمي بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي)، الذي يحدِّد القيم والمبادئ المشتركة التي ستوجه عملية تطوير الذكاء الاصطناعي وتضمن سلامته، مع تقليل المخاطر التي ينطوي عليها أيضاً. وفقاً لليونسكو، فإن الاتفاق يوفر إطارًا لضمان أن التحولات الرقمية تعزز حقوق الإنسان وتساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعالج القضايا المتعلقة بالشفافية والمساءلة والخصوصية، وتستهدف وضع سياسات عملية لإدارة البيانات والتعليم والثقافة والعمل والرعاية الصحية والاقتصاد.
هذه غالبًا قضايا جديدة مطروحة أمام الحكومات لاتخاذ الخطوات التشريعية الضرورية لحماية الناس، كمستهلكين على المنصات الرقمية التي أصبحت تقدم مختلف السلع والخدمات، واتفاق اليونسكو نص على ضرورة (حماية البيانات من تجاوزات شركات التكنولوجيا والحكومات لضمان مزيد من الحماية للأفراد من خلال ضمان توفر الشفافية والأهلية والتحكم في بياناتهم الشخصية. كما تحظر التوصية صراحة استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي للتقييم الاجتماعي والمراقبة الجماعية).
أيضًا من الأمور التي سوف تفرض حضورها وأهميتها وخطورتها على قضايا المستهلك، التي أصبح ينشط فيها استخدام الذكاء الاصطناعي هي: توسع المنتجات الفكرية والثقافية المعلبة والمُحوَّلة إلى سلع قابلة للتداول التي أوجدت ظاهرة الاستهلاك الثقافي. الذكاء الاصطناعي سوف يلعب دورًا حاسمًا في هذا المجال، وبدأنا نرى تطبيقاته في تطوير وتوسيع تأثير منصات وحسابات التواصل الاجتماعي. ظاهرة الاستهلاك الثقافي تنمو بقوة في الوقت الراهن وتحتاج إلى الجهود المشتركة لحماية المستهلكين من المنتجات الثقافية والفكرية الخاوية الضارة بالأمن الفكري والاجتماعي لبلادنا. تسليع المنتجات الثقافية والفنية وأسلوب الحياة (ما يقدمه المشاهير عن حياتهم) يجد الرواج السريع بالذات مع دخول حسابات التواصل الاجتماعي مجال الترويج وتطور آليات وبرامج محاصرة المستهلكين بالإعلانات الموجهة، وأيضاً بعد توسع سوق الألعاب الإلكترونية الموجهة للأطفال.
حماية الناس من أضرار المنتج الثقافي السيئ لن تقوم به بشكل جيد وفعال أجهزة الحكومات (الشركات والجمعيات الأهلية الخيرية) هي الأقدر على تتبع هذه الظاهرة ووضع الخطوات الضرورية لحماية وتوعية المستهلكين بكيفية التسوق الآمن وغير المفرط. في الوقت الراهن.. المستهلكون عبر الإنترنت غالبًا يجدون أنفسهم في علاقة غير متوازنة بين مقدمي الخدمات والتجار، ومجموعة من الوسطاء الكبار ممن يقدمون الخدمات الرئيسية، مثل الوصول إلى البنية التحتية للإنترنت، والبحث عبر الإنترنت، ومشاركة المحتوى، والحوسبة السحابية، والمدفوعات عبر الإنترنت. بعض هذه الخدمات تقدم مجانًا للمستخدمين النهائيين مقابل بيع معلوماتهم الأساسية وكل تفاعلاتهم اليومية، مقابل عائدات الإعلانات.
هذه البيئة المعقدة تتطلب (تفعيل دور منشآت القطاع الثالث جميعًا)، بالذات إدخال الجمعيات العلمية السعودية المتخصصة للمساهمة في توعية المستهلك بالتأثيرات الإيجابية والسلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي، وبالفرص الجديدة الرائعة التي يوفرها للأفراد والمجتمع، ودوره لتعزيز القدرات البشرية وزيادة الإنتاجية وتحسين الأمن والكفاءة في الخدمات العامة والخاصة.
بالتأكيد نحن أمام تحديات جديدة للمستهلكين وقد يصعب تحديد مجال التدخلات السريعة الضرورية بدون تشريعات واضحة. من جهته البرلمان الأوروبي حدد عدة أمور تتطلب التعامل معها لإيجاد بيئة تشريعيه تحمي المستهلك مثل:
أ) يجب أن يكون لدى المستهلكين خيار عدم التعقب والاستهداف (الجزئي)، ويجب أن يكون لديهم طريقة سهلة للتعبير عن تفضيلاتهم.
ب) يجب تحديد الأسس التي لا يمكن لمقدمي الخدمات والتجار التمييز على أساسها في الأسعار.
ج) ينبغي النظر في كيفية معالجة التمييز في استهداف الإعلانات.
د) يجب تقديم التوجيه للمستهلكين فيما يتعلق بممارسات الخوارزميات التي تتيح حالات للإعلان العدواني.
هـ) يجب تقديم التوجيه بالحالات التي يكون للمستهلكين فيها حق الطعن في قرار يقوض مصالحهم.
و) يجب تزويد المستهلكين بمعلومات حول ما إذا كان يتم تعقبهم، ولأي أغراض وما إذا كانوا يتلقون معلومات لأغراض الدعاية.
ز) تتطلب حماية خصوصية المستهلك تدابير وقائية لتخفيف المخاطر مع الإنصاف الجماعي.
ح) ينبغي تشجيع ودعم تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي صديقة للمستهلكين. يجب منع مقدمي الخدمات من حظر الأدوات المشروعة لممارسة حقوق المستهلك.
وسوف يبقى أمام العالم السؤال الصعب: كيف نحدد بموضوعية أن الذكاء الاصطناعي.. مع المستهلكين أم ضدهم؟!