رمضان جريدي العنزي
صديقي العتيق الودود (.....) عندما لا يعجبه شخص يقول عنه بأنه (نكث) وهو بذلك يصدر حكماً نهائياً وقطعياً لا عدول عنه على ذلك الشخص نظير أعماله وأقواله وتصرفاته وسلوكه، والنكث في لهجتنا الشمالية يعني الشيء الرديء المتهالك والذي لا يصلح للاستفادة منه مطلقاً ولا يمكن إصلاحه وتجديده وإعادة هيكلته من جديد، والشخص (النكث) يعني الذي لا منطق عنده ولا حكمة ولا رأي حكيم، والذي يهرف بما لا يعرف، صاحب التصرفات الطائشة والبعيدة عن العقل والتأني والتروي، ضعيف الفهم والإدراك، والذي يأتي بالمصائب والدواهي نظير قصور فهمه وإدراكه وقصر بصره وبصيرته، فتراه في المجالس لا يتورع عن الدخول في متاهات الحديث والنقاش دون أدنى علم ومعرفة، فقد يتحول (لأبو العريف) الذي يفهم في كل شيء ويجادل في كل شيء، مدعياً الفهم والعلم، وبأنه مركز الحديث، وفرجار الكلام، وبأنه سيبويه والمتنبي والأخطل، وصاحب الحكمة، والعالم والمرشد والدليل، وله الحق في إطلاق الكلام في كل الاتجاهات، من غير أن يحسب لهذه الاتجاهات ويحذر، وهو البعيد كلياً عن اليقين والتمكن، يقول الشاعر عبدالله بن زوين من قصيدة له وهو من الشعراء الكبار:
يا ليت بعض الأوادم يقطع لسانه
الخبل يزعجك مير إن جاك وإن جيته
الخبل لا تنشده لو هو عن إخوانه
لا تنشد الخبل ثم تدق ساقيته
واللي ورى التايهة يغويه شيطانه
ويجنب اللازمة لو جات ناصيته
لأدناة حاجة يجيك يشيل محجانه
أشجع من الكلب عند أطناب راعيته
خله لعل الكوارث بين حجانه
ويطيح في واحد ويفش عافيته
من غرب ما هو من أصحابه وجيرانه
والا أقرب الناس طابخته وشاويته
ضعيّف النفس لو تعطيه رمانه
حطك مثل واحد يحييه ويميته
لقد مل الناس من هؤلاء النكثيين، الذين يحاولون الدخول في جميع مناحي الكلام، بهتاً ولغواً، وإصراراً عجيباً على تأليف الروايات الباهتة، والحكايا المزيفة، محاولين رسم الأبعاد والتحليل والمناقشة وإبداء النصح والإرشاد والرأي والمشورة، دون علم ومعرفة وخبرة، وبهذا يختلط الحابل بالنابل، ويكثر الغبش، بعيداً عن التخصص والفهم، وبعيداً عن القدرة في إيصال الرأي وإيجاد الحلول، إن الكلام والحوار والنقاش ليس صعباً على صاحب الفهم والعلم والإدراك، لكنه عصي على (النكث) الذي لا يعي من الكلام إلا اسمه، ومن الحكمة والرزانة إلا رسمها.