إيمان حمود الشمري
انتشرت مقالة لكاتبة سعودية عن كبار السن استفزت الرأي العام، رغم أن الكاتبة لم تكن تعني الإساءة وإنما استخدمت أسلوب الاستفزاز لاستدراج القارئ، ولا ننكر أنها نجحت بالانتشار ولكن بعد مائة شتيمة فهل ذلك بحد ذاته نجاح؟ لوهلة شعرت أنني أدين بالاعتذار لهم لأن كبار السن منطقة محظورة وليس من حق أي أحد أن يقحمهم في لعبة الترويج وعبث الانتشار، فهم ما بقي لنا الإرث الأخلاقي العريق، هم تاريخنا ومرجعنا وقدوتنا وانتماؤنا لجذورنا، هم بركتنا في البيوت ونعيش معهم آخر ما بقي من النقاء بلسانهم الذي يلهج بالدعاء لنا أينما ذهبنا، هم عالمنا الأجمل بالخفاء خارج لعبة الأضواء والتهريج الذي يحدث الآن على ساحات التواصل، كان للعطاء معنى وللكلمة التي تقال قيمة، وللأب والأم هيبة، وإن لم يكن فينا من يسد ويذود بالدفاع عنهم فنحن لا نستحق بركتهم ودعاءهم، فإلى أبي وأمي مع التحية:
كانت أقوالكما وأفعالكما بالغ الحكمة رغم أنكما لم تحصلا على الشهادة الجامعية، أتذكركما في كل موقف أمر به، وعند أي اصطدام أو نقاش وتتراءى لي صوركما، وأود لو أقبل على رأسيكما بعد كل قرار اتخذه في حياتي، كنتما خير داعم ومقوم لي رغم تعليمكما البسيط.
معكما تعلمت أن هناك فرقاً شاسعاً بين الفكر والشهادة، وأن الشهادة عند البعض مجرد قناع يسقط بعد أول نقاش وأول خلاف!! معكما تعلمت أن جيلكما لم يعد موجوداً وأن مسافات فكرية شاسعة تفصلني عن البعض وتجمعني بهم الشهادة الجامعية.
رحمك الله يا أبي.. معك تعلمت أن الانحناء لا يستحق التصفيق وأن الوحيدين الذين ينحنون ليصفق لهم الجمهور هم الممثلون!! معك تعلمت أن الظروف مجرد شماعة نعلق عليها تخاذلنا وإهمالنا وفشلنا، وأن بيئة (المنفلوطي) الصعيدية لم تمنعه من أن يكون أديباً وكاتباً كبيراً، وأن (رهين المحبسين) لم يقف حرمانه من بصره في سن مبكرة عائقاً من أن يكون أفصح شعراء عصره، وأن عباس العقاد الذي يدرّس أدبه بالجامعات لم يتعد تعليمه المرحلة الابتدائية لعدم توافر مدارس آنذاك في بلدته.
أمي الغالية... رحمك الله يا من أحدثت وفاتك شرخاً كبيراً في نفسيتي.
علمتني الإحساس بالمسؤولية، بالانضباط، بالتسامح، بكظم الغيظ والتغافل، بحب الخير للغير، علمتني أن التنافس ليس انتقاماً من الآخرين وأن التنازل في كثير من الأحيان مكسب، معك تعلمت بالفطرة أن أكون صاحبة مبدأ وأن الغاية لم تكن يوماً تبرر الوسيلة، وأن (ميكيافيلي) أخطأ بهذه النظرية رغم أنك لا تعرفين من هو ميكيافيلي!!
إلى أبي وأمي مع التحية,,,
معكما أعدت تهجئة الحروف الأبجدية، أرفع لكما القبعة شكراً وتقديراً يا من تملكان أعرق سيرة ذاتية وشهادات تقدير للذات لا تمنحها أكبر الجامعات الأجنبية.