عبده الأسمري
في قصص التاريخ الموثقة بالدلائل والوثيقة بالبراهين، تشكلت العديد من ملامح «الوفاء» في مواقف البشر ووقفات الحياة وكان الإنسان خلالها «البطل» المتوج الذي نال «نصيب» الخير وحصد «وجوب» الذكر في وقت ظلت بعض «النماذج» التي وظفت «الأنانية»، وخذلت «الإنسانية»، وأشاعت «اللؤم»، وأظهرت «الجفاء» وجهاً للنكران ومثالاً للخذلان.
في قصص القرآن الكريم وفي إرث السنة النبوية أمثلة عظيمة للوفاء للمواقف والاستيفاء للوقفات، وتباينت الأحداث فيها ما بين الناس، فمنهم «الوفي» الذي كان ارتفع إلى سمو الإحسان وعكس رقي الإنسان.. ومنهم من سقط في قعر «التنكر» للمعروف، وارتمى في سوآت «الجحود»..
في الألفاظ المجازية والمعاني الحقيقية يتشابه البشر في تعاملاتهم مع «المعادن» التي تمتلئ بها خزائن الأرض وصنعها البارئ المصور بتركيبة مذهلة تتباين فيها خواصها وخاصياتها ما بين ثبات في اللون، وارتفاع في الثمن، وجودة في المركبات, لذا انطبقت صفات الناس على تلك المعادن، والتي يظل لبعضها بريق مهما مرت «السنون»، وأخرى قد تتعرض للصدأ بعد فترة وجيزة..
وجاءت المقارنة الإلهية العظيمة في القران الكريم في «مناهج» ربانية فاخرة بالمعاني، وزاخرة بالفوائد، وعامرة بالمنافع، من خلال ميزان رجح كفة الحق، ورفع قيمة الخير، وأسقط وزن الباطل، وأهبط موجة الشر، وكان فيها الإنسان بين مد «مبهج» للمعروف، وجزر «نافع» للحسنى، وبين واقع «مؤلم» للإساءة، و»توقع» بائس للسوء.
توالت «الأزمنة» ما بين أجيال وأجيال، وتوارث البعض من أسرهم «القيم»، فمنهم من حافظ على هذا «الإرث» الإيماني و»المغنم» الإنساني كي يجعله «نصيباً مفروضاً»، يوزعه على أسرته، ويضعه «متطلباً ضرورياً» لتقييم الآخرين في محيط تربيته وفي دائرة توجيهه، والبعض أضاع تلك «الأمانة» لتأتي التعليمات والتوجيهات من دوائر أخرى لا تتفق مع طبيعة «الإنسان» ومستقبل «النفع»..
ارتفعت في الآونة الأخيرة وبكل أسف وأسى نسبة النكران والجحود ومواجهة الحسنى بالإساءة ومقابلة الخير بالشر، وهذا يعكس تأثير «حب الذات» الذي طغى نتيجة ابتعاد «البشر» عن التقييم الحقيقي للقيم وتورطهم في تغيير الوجه الناصع للإنسانية، والذي شوهته «شخصيات» مريضة تعاني من «خلل» في تركيبة الداخل و»نقص» في تبرير الخارج. ينسى العديد من البشر ويتغافلون «القيمة» الحقيقية لنفع الآخرين ويتجاهلون «الرفعة» الدينية لإعانة الغير، فتراهم يرتمون في «منحدرات» الأنانية، وليس هذا فحسب، بل إن البعض يحاول «استغلال» الأنفس النقية ذات «النوايا» البيضاء في سبيل تحقيق مصالحه الشخصية ومن ثم «مغادرة» دوائر المتطلبات إلى حيث «الاختفاء» للبحث عن ضحية «جديدة» بحيل «التلون» وخداع «الأقنعة» التي تمرر التزييف في القول والتزوير في التعامل حتى نيل المطالب، ومن ثم انكشاف «القناع» عن الوجه البائس الذي كشف ذلك «المعدن» الرديء الذي تنطلق منه التعاملات والمعاملات.
الأنفس النبيلة والتي تمثل «المعادن» الأصيلة في كل مكوناتها يبقون على «ثبات» التعامل مع الناس و»إثبات» التكامل مع السلوك مهما تلقوا من «صدمات» ومهما واجهوا من «مصادمات» لأنهم يمثلون أنفسهم، ويعكسون واقعهم، ويوظفون سلوكهم، وعلى النقيض فمن يسير عكس ذلك يسير «متلوناً» في تعاملاته ذاتياً في تصرفاته، ساعياً إلى تحقيق مآربه على أكتاف الآخرين، وتسهيل أموره على حساب الغير، مما يؤكد اختلاف المعادلة البشرية وتباين المتراجحة الإنسانية بين صنفين من البشر، يمثلون «ثمنين» أحدهما غالٍ ونفيس في صناعة المعروف، وآخر زهيد وبخس في صياغة النكران.
خزائن المعروف لا تنفذ ولا تنتهي وفيها من «درر» المنافع و»جواهر» الفوائد ما يصنع أفضل النتائج في «سبل» الانتماء لواقع «الإنسان» وجوهر» الإنسانية» التي تحتم الإحسان وتوظف الحسنى وتؤصل المحاسن، لذا فإن «الماكثون» في متون «الفضائل» و»المقيمون» في دوائر «الخيرات» الأنقى قلوباً والأصفى نفوساً والأزهى أرواحاً يرسمون مشاهد «العطاء» ويخلدون مراسم «الصفاء» في كل اتجاهات «الرقي» الإنساني وشتى إبعاد «السمو» البشري.