د. تنيضب الفايدي
على الإنسان أن يعمل لأجل الله وأن يخلص نيته لله سبحانه وتعالى في جميع أعماله، فلا ينتظر الشكر من أحد، ويضع أمامه دائماً بأن البشر ما دام قد قصَّروا في الشكر تجاه الخالق عزَّ وجلَّ فما كان من أكثرهم إلا الجحود والنكران، وهو الذي خلقهم ورزقهم وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} سورة سبأ الآية (13)، فماذا ينتظر أن يشكرك أمثال هؤلاء البشر ... فعليك أن تفعل معروفاً مع كل الناس، ولا تنتظر شكرهم على هذا، وثق تماماً بأنه إذا ضاع المعروفُ عند الناس، فلن يضيعَ عند الله، وإذا افتقدتَ الأجرة في الدنيا، فسوف تغنَمُ الأجرَ في الآخرة؛ يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} سورة غافر الآية (61). وقد ذكر الله سبحانه وتعالى بأن المحسنين يعملون الخير لوجه الله ولا يريد منهم جزاء ولا شكوراً قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} سورة الإنسان الآية (9). فليس من المستغرب أن يفاجأ الرجل بالهجاء من الشخص الذي قد أكرمه بالأمس، وهذا هو الأصل عند هذه البشرية المحنطة في كفن الجحود مع باريها عزَّ وجلَّ، فكيف بها معي ومعك؟!
ولهذا حثّ الإسلام على أن من صنع لكم معروفاً فاشكروه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) رواه أبو داود. لكن في حالة عدم الشكر لا تزعج نفسك؛ لأنها طبيعة إنسانية. وستجد أن السعادة تغمرك إذا ما انتظرت منهم شكراً.
صموئيل ليبوفتز المحامي المعروف أخبرني أنه أنقذ في الفترة التي اشتغل فيها بالمحاماة، أكثر من ثمانين رجلاً من الإعدام، ولكن واحداً منهم لم يفكر في شكره، ولا حتى بإرسال بطاقة معايدة له.
وأندروكارنيجي ترك لقريب له بعيد مليون دولار فكان جزاؤه من هذا القريب أن صبّ عليه اللعنات ولما تمض على ذلك ساعات.. أتدري لماذا؟ لأن كارنيجي الذي ترك له المليون دولار، أوصى ببقية ثروته للأعمال والمشروعات الخيرية.
يقول أرسطو: «إن الرجل المثالي يجد متعة في تقديم المعروف وخدمة الآخرين، ولكنه يخجل أن يتلقى عوناً من أحد، ويرى من النبل والرفعة أن يصنع المعروف للناس لوجه الله، ومن مظاهر النقص والخسة أن ينتظر منهم المعروف».
إن نكران الجميل شيء طبيعي كالأعشاب التي تنبت في التربة، والاعتراف بالجميل كالورود التي لا بد من تعهدها بالري والعناية والحماية حتى تترعرع وتزدهر.
إن رجلاً تزوج من أرملة لها ولدان، كانا قد أتما دراستهما الثانوية، ورغم فقره استدان مالاً وأرسل ولديها إلى الجامعة. وظلّ يضيق على نفسه أربع سنوات لينفق على تعليم هذين الولدين حتى أتما تعليمهما، فهل شكراه على صنيعه؟.. لا، لقد عدا ذلك أمراً واجباً، وكذلك عدته زوجته.
يقول دايل: «لقد رأيت أن هذه الوسيلة يمكن أن تثمر في المحيط العائلي الذي أعيشه. فقد كان أبي وأمي مولعين بمساعدة الفقير الذي هو بحاجة إلى من يعينه، والعطف على المساكين، هذا رغم أننا نحن محتاجون ونحن فقراء وغارقون بهمّنا إلى آذاننا في الديون المتوجبة علينا، وكان والداي يرسلان هبات في كل عام إلى ملاجئ المعوزين دون أن يقوما بزيارات لهذه الملاجئ، وبهذا لم يكونا ينتظران شكراً من أحد إلا من الهيئات الإدارية المشرفة على إدارة هذه الملاجئ. في الواقع أن والدي كانا تغمرهما السعادة بصنيعهما هذا، دون أن ينتظرا شكراً.
وحينما شملني الله العطف وكبرت، صرت أرسل إليهما في كلّ عام مبلغاً من المال، وأوصيهما بالترفيه عن نفسيهما، ولكن قلما عملا بنصيحتي، فعندما يحين عيد الميلاد أزورهما فيغمراني بالحديث عن تقديم أنواع متعددة من الحاجات التي يحتاجها الفقراء وإرسالها إلى بيوتهم، إنهما فرحان جداً من أعمالهما هذه.
وأعتقد بأن والدي كان ينطبق عليه وصف أرسطو للرجل المثالي: إن الرجل الذي يستمد سروره وبهجته من مساعدة الآخرين إنما هو مثالي، وهو إلى جانب عمله يشعر بخزي إذا تلقى مساعدة من أحد. ومن إمارات رفعة الشأن أن يؤدي المرء عملاً صالحاً ومن إمارات ضعة الشأن أن يتلقى المرء عملاً.
وإذا كنا ننشد السعادة فلنكف قليلاً عن انتظار الشكر، ولنعط ما نقدمه بقصد الإعطاء ذاته دون انتظار كلمة شكر لعملنا.
وعلينا أن نعود أبناءنا منذ طفولتهم على أداء الشكر، فإذا فعلنا ذلك فلن نستغرب عندما نراهم يشكروننا على عمل نؤديه لهم. كما يجب علينا أن لا نقول أمام أبنائنا إلا الكلام الذي يقدِّر الناس ويحترمهم ويرفع من شأن الذي يستحق هذه الرفعة ولا نذم امرأً ، فإذا ما سمع أبناؤنا هذا القول منا في طفولتهم فيستعملونه في هذه الفترة ليطبِّقوه في كبرهم.
إذاً لكي تتجنب القلق من أجل شقاوة وجحود أصابك، إليك هذه النصائح:
1- بدلاً من أن نشغل بالنا بالجحود، علينا أن نتقبله ونرجو أجره من الله سبحانه وتعالى، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة.
2- ولنعلم بأن السعادة لا تأتي من الشكر الذي تستمعه من فم الذي أخذ العمل والصنيع، وإنما من نيتك بالعمل المقصود لذاته.
3- علينا أن نعرف بأن الشكر هو ثمرة وليدة من رعاية الأطفال منذ طفولتهم، فإذا أردنا لأبنائنا أن يشكرونا فعلينا أن ندربهم على هذا منذ الطفولة.