أحمد المغلوث
عادت بي الذاكرة إلى سنوات طويلة مع بداية البث التلفزيوني في المملكة من خلال تلفزيون الظهران «تلفزيون أرامكو» وكان يعتبر أيامها ثاني تلفزيون بعد التلفزيون العراقي، أيامها كانت أجهزة التلفزيون نادرة في مدينتنا الصغيرة أو تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة، وبالتالي كان لدى خالي المهندس «عبد اللطيف» رحمه الله تلفزيون مما جعل مجلسه يكون عامرًا بالحضور من علية القوم، فأنت تجد بعض مديري الإدارات الحكومية والأعيان وبعض أفراد العائلة وحتى الجيران يتمترسون في المجلس العامر من بعد صلاة العشاء من أجل أن تتاح مشاهدة الشاشة الفضية المدهشة والعجيبة في ذلك الوقت وحتى لا يحرم أهل بيته من المشاركة في المشاهدة فلقد ابتكر طريقة للمشاهدة من خلال وضع «أكثر من مرآة» كبيرة تعكس ما يبث في التلفزيون، واحدة في المجلس والأخرى داخل الغرفة المجاورة له والتي تتيح لمن يجلس داخلها مشاهدة التلفزيون ولكن في صمت وبدون اضاءة. ولو حدث صوت ما فمصير بث «المرايا» أن يتوقف فباب الغرفة سوف يغلق..! وخوفًا من الحرمان من المشاهدة والمتابعة فجميع من يجلس داخلها يلتزمون بالتعليمات والتوجيهات، فيمتزج الظلام والصمت معا ليشكلا غلالة عجيبة يخترقها أضواء البث التي تصل إليها مثل الضوء الذي يصل إلينا عبر نافذة صغيرة.
وفي قاعة المجلس الكبير والذي هو عبارة عن غرفة كبيرة سقفها مرتفع وبها عدة نوافذ علوية مزججة وملونة إضافة إلى فتحة للتهوية، والسقف مزدان بخشب «الكندل» الذي كان يصبغ بالقطران الأسود ويضاف إلى السقف شرائح من خشب البامبو، والذي أيضا يصبغ بألوان مختلفة وبصورة متقاطعة لتشكل في السقف منظرا جميلا يضفي على المجلس تميزًا.
وكان التلفزيون يقدم البرامج اليومية والأسبوعية والأفلام والمسلسلات العربية والأمريكية والعروض الرياضية والمسابقات الثقافية، وغير ذلك مما عرضته المحطة خلال سنوات إرسالها بالعربية.
ومن أشهر البرامج التي كانت تحظى بالاهتمام كان مسلسل (بونانزا) الأمريكي والذي كان يوثق جانبًا من حياة عائلة أمريكية «كاوبوي». وكذلك مسلسل المحامي «بيري ميسون» الذي كان يجعل رواد المجلس يتحدون بعضهم في اكتشاف الحلول لتلك القضايا التي كان يدافع عنها بطل المسلسل الشهير.
لا ينافس المسلسلات إلا برنامج المصارعة الحرة وأبطالهم الذين كان لكل واحد منهم عشاقه ومحبوه ومشجعوه، بل أحيانا تعلو أصوات المشجعين لهذا المصارع أو ذاك لتختلط الأصوات مع صدى الضحكات على تعليقات المذيع البحريني الشهير عيسى الجودر بلهجته البحرينية المحببة، والذي كان أحد كبار المذيعين في تلفزيون الظهران مع بابا حطاب مقدم برنامج الأطفال، والمحامي إسماعيل الناظر الذي يقدم برنامج عالم الأدب، والأستاذ يعقوب سلام مقدم برنامج سهرة الليلة، وكنت قد شاركت في البرنامج زمن المراهقة.
رحم الله أولئك المشاهير في ذلك الزمن الذي لا ينسى خاصة عندما يحتفل العالم بيوم (التلفزيون) هذا الجهاز الذي أشرق على العالم كل العالم بما يبثه من معلومات وثقافة وتغطيات إخبارية وترفيه فتعود بالناس وفي مختلف العقود إلى ذكرياتهم معه وكيف كان وسيلة تجمع الأسرة، بل وباب رزق واسع في المقاهي أو الأندية وحتى في المدارس عبر توظيفه لجوانب تعليمية واسعة خاصة في دول وأماكن لا توجد فيها مدارس.
لقد استطاع تلفزيون الظهران أن يلم أفراد الأسرة الواحدة بل حتى من الأسر الأخرى أقارب وجيران وبات اجتماعهم حول هذا الجاز السحري ظاهرة معاشة في مختلف المجتمعات في العالم، فلا عجب بعد هذا أن يكون له يوم عالمي يحتفل به.