بعدما هزمت فرنسا في حرب التحالف السادس أو ما تسمى بحرب التحرير في عام 1814، التي انتهت بنفي نابليون بونابارت إلى جزيرة البا، دعي أستاذ القانون الألماني في جامعة هايدلبرغ أنطون تيبوت إلى إصدار قانون مدني موحد للولايات الألمانية وإلغاء قانون نابليون. وفي نفس العام، قام بمعارضة ذلك الفقيه الألماني فريدريك كارل سافيني في كتيب: «مهنة عصرنا للتشريع والفقه». فكانت حجة سافيني أن القانون يجب أن يتم إصداره بالتدرج وأن ينبع من روح المجتمع، وليس من خلال تشريعات عقلانية ليس لها قاعدة تاريخية - اجتماعية، تستمد شرعيتها من روح المجتمع - کالأعراف والأحكام القضائية. وبرغم أن سافيني يتفق مع تيبوت في إصدار قوانين جديدة، إلا أنه يؤكد أن القانون يتطور ببطء ويتشكل بطريقة غير محسوسة مثل تشكل اللغة. لو وضعنا هذا الجدل الذي دار بين هذين الفقيهين اللامعين - تيبوت وسافيني - في السياق العالمي، هل نستطيع القول: إن القانون الدولي يمكن أن يتطور ويتشكل بناء على روح المجتمع الدولي؟
يمكن القول، إن مفهوم القانون الدولي يتبلور في مصادره الأربع، التي نصت عليها الفقرة (1) من المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، لتكون على النحو التالي: (أ) الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؛ (ب) الأعراف الدولية المعتبرة (ج) مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة؛ (د) أحکام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم (كمصدر احتياطي لقواعد القانون). وحيث إننا قد نجد أن الفقرتين (أ) و(ب) قد تكون متوائمة مع ما جاء في طرح سوفيني حيال روح المجتمع، إلا أن الفقرة (ج) كانت مثيرة للجدل. إذ إنها حصرت مبادئ القانون العامة على المبادئ التي أقرتها فقط «الأمم المتمدنة». مما يوحي بأن دول العالم تنقسم إلى قسمين: قسم متمدن وآخر غير ذلك.
وفي ظل تطور القانون الدولي ودخول الكثير من الدول كطرف في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، كان من الأولية أن تكون مصادر القانون الدولي انعكاسا لروح المجتمع الدولي. وهذا ما قامت به لجنة القانون الدولي «اللجنة» التابعة للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في عام 2018.
ففي دورتها السبعين لعام 2018، عينت اللجنة السيد مارسيلوباسكيس-بيرموديس كمقرر خاص، بعدما قررت ادراج موضوع «المبادئ العامة للقانون» - الفقرة 1 (ج) من المادة 38 من النظام الأساسي المحكمة العدل الدولية - في برنامج أعمالها. وفي دورته الثانية والسبعين والمنعقدة ما بين (26 أبريل 4 يونيو) و(ه يوليو-6 أغسطس) 2021، ناقشت اللجنة التقرير الثاني للمقرر الخاص. ومن أهم ما جاء في نقاشات اللجنة هو إمكانية التخلي عن مصطلح «الأمم المتمدنة» الوارد في الفقرة 1 (ج) من المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وأيد عدد من الأعضاء المصطلح الذي اقترحه المقرر الخاص: «جماعة الأمم»، استنادا على الفقرة 2 من المادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أنه تم اقتراح مصطلحات مختلفة كـ»المجتمع الدولي»، و»الدول»، و»جماعة الأمم ككل». بلا شك، أن المجتمع الدولي في هذا العصر يشهد مبادرات عملية تحاول أن تجعل القانون الدولي أكثر اندماجا ومواءمة لمتطلباته. خصوصا، فيما يتعلق بتقرير مبادئ مشتركة بين النظم القانونية الرئيسية في العالم، بهدف نقلها إلى النظام القانوني الدولي. إذ جاء في تقرير اللجنة لعام 2021، أنه لإيجاد المبدأ المشترك بين النظم القانونية الرئيسية في العالم، يجب أن يكون هناك تحليل مقارن واسع النطاق للنظم القانونية الوطنية وقرارات محاكمها الوطنية.
ففي ظل تحقيق أهداف رؤية 2030، التي منها ما أعلن عنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فيما يتعلق بتطوير النظام القانوني للمملكة - وذلك من أجل ترسيخ مبادئ العدالة، والشفافية، والنزاهة، وتيسير التقاضي، ومكافحة الفساد وحماية حقوق الانسان - نجد أن مشاركة المملكة في بلورة القانون الدولي الجديد سيكون له دور تاريخي وريادي على المستوى العالمي.
** **
- مستشار قانون
Samialrashidio17@gmail.com
SamitAlrashidi@