م. بدر بن ناصر الحمدان
كنت الأسبوع الماضي في زيارة إلى «بوليفارد رياض سيتي» مع بعض الأصدقاء، وهو أحد مواقع فعاليات موسم الرياض الرئيسة بحي حطين، على مساحة تزيد على 900 ألف متر مربع وتضم مواقف تستوعب أكثر من 10 آلاف سيارة، ويتوزع البوليفارد على تسع مناطق داخلية لكل منها تصميمه المعماري الخاص، واستخداماته وأنشطته المتنوعة مثل المطاعم والمقاهي والمتاجر والمسارح ومسارات المشي والاستوديوهات ومناطق للرياضة وترفيه الأطفال وفندق (بوتيك هوتيل)، بالإضافة إلى ناد صحي ومكاتب تجارية وصالات السينما وغيرها من الاستخدامات الفريدة والمميزة.
بعد جولة لأكثر من ساعتين، انتهى بنا المطاف إلى الجلوس في أحد المطاعم المطلة على تلك النافورة العملاقة، جلست محدقاً بتفاصيل المكان وحركة الناس، حاولت أن أُفسّر مصدر انجذابي لهذا المحيط المتنوع، وتلك الفراغات العمرانية التي استطاعات أن تصنع أرضية خصبة لحياة هؤلاء الناس، حينها سألني أحد الأصدقاء عن قراءتي لهذه التجربة، فقلت له إنني ما زلت أبحث عن ذلك الشيء الذي جعلني أتوقف كثيراً عند تقييم علاقة الإنسان بهذا المكان المسكون بكل مفردات الحياة، قلت له إن منطقة البوليفارد تشبه إلى حد كبير «مول بدون سقف».
بغض النظر عن الفعالية الموسمية، فإن تجربة «بوليفارد رياض سيتي» قدمت واحداً من أهم الدروس العملية التي تُعنى بربط الإنسان بالفراغ العمراني داخل المدينة من خلال عناصر جذب متكاملة، ومنحته فرصة الاندماج مع محيطه المفتوح وملامسته للمقاييس الإنسانية (المعمارية والعمرانية) عن قرب، وعزّزت قدرته على الانصهار في نطاق مكاني ديناميكي، وهذا بالضبط ما تفتقد إليه المدن السعودية.
هذا يدفع بنا للتفكير بشكل جاد إلى الذهاب نحو مشاريع «المجاورات التجارية المفتوحة» ذات الأنشطة والاستخدامات المتنوعة كبديل للمجمعات التجارية المغلقة التي تؤصل لدى السكان فلسفة أحادية المكان، وتُكّرس عزلتهم عن محيط مدينتهم، كما أن تحويل «بوليفارد رياض سيتي» من موقع فعالية موسمية إلى «مشروع مستدام» أمر بات في غاية الأهمية كتجربة محتذاة في تفعيل الأصول العمرانية.