د.عبدالله بن موسى الطاير
عندما تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981، وضع غاية يسعى إليها، وهي الاتحاد مآلا طبيعيا للتعاون، ومنذ 40 عامًا وهو يسعى باتجاه الاتحاد المنتظر. عامة الناس يصبون جام غضبهم على أمين المجلس، مع أنه ليس سوى كبير الموظفين الذي ينفذ إرادة الدول الأعضاء، وبعض النخب لا يفرقون بين العلاقات الثنائية والمتعددة، والبعض يعرف ولكنه يتوسل الشعبية بجلد المجلس.
التحديات التي واجهها ويواجهها المجلس لا تنتهي، فالدول الإقليمية المؤثرة لم ترحب به؛ فهو إما خارج على كيان جامعة الدول العربية، أو مجرد ناد للأثرياء يحيط دوله بسياج من الاكتفاء الذاتي في وجه احتياج دول الجوار المتفاقم، وهي في أفضل الحالات تكتل يمد أعضاءه بالمنعة في وجه ابتزاز القوى الإقليمية والدولية. الدول الصناعية في الجانب الآخر لم تستسغ المجلس منذ ولادته، إذ ترى فيه تهديدًا لفاتورة السلاح والحماية والدفاع المشترك الضخمة التي تدفعها كل دولة على حدة، ولذلك فهي تقاوم بشدة وصول المجلس إلى غايته، وتتخذ السياسات والتدابير التي تغرس التوجس والارتياب بين الدول الأعضاء.
حرب الخليج الأولى عصفت بالخليج، كممر مائي يزود العالم بالطاقة، فيما عرف بحرب الناقلات، وشظايا تلك الحرب مست النسيج الاجتماعي في دول المجلس، ومع ذلك وخلال بضعة أشهر من تأسيسه أقر المجلس الاتفاقية الاقتصادية التي أسست بعد ذلك للعديد من أوجه التعاون التي نلمسها كمواطنين خليجيين ومنها التبادل التجاري والاتحاد الجمركي، والعلاقات الاقتصادية ككتلة خليجية مع بقية الدول، والسوق الخليجية المشتركة، وتنمية الموارد البشرية والربط الكهربائي، وقطار الخليج القادم، وإن كنا لا نزال نتطلع لجواز السفر الخليجي، والعملة النقدية الموحدة.
لم تلتقط دول المجلس أنفاسها بعد حرب الخليج الأولى حتى احتل صدام حسين الكويت، فتوحدت دول الخليج ضد العدوان وأشرعت قلوب الخليجيين قبل بيوتهم للأشقاء الكويتيين، وانحسرت الأزمة بتحرير الكويت وبمليارات الدولارات من الخسائر التي تكبدتها دول المجلس على أقدار متفاوتة أثخنت في اقتصاداتها سنوات لاحقه، ولكنها تجاوزت الأزمة وتداعياتها، وبقي المجلس متماسكا. ولم تكد دول الخليج تصح من علتها حتى دهمتنا أحداث 11 سبتمبر 2001م فتخوض معركتها ضد التطرف والإرهاب، وتكاد تكون دول مجلس التعاون الأكثر جدية، وعملية، في مكافحة الإرهاب والتطرف. وتضطرب المنطقة كلها باحتلال الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان، ومن بعدها العراق، وتصبح دول الخليج مرة أخرى أمام تحديات جسيمة وبخاصة بعد تفشي جائحة الإرهاب في العراق وإيجاد موطئ قدم لإمارة داعش في العراق وسوريا. وعلى مسافة غير بعيدة هبّت عاصفة الربيع العربي واجتاحت دولا عربية عديدة، وكانت الجائزة دول مجلس التعاون التي أحبطت المخطط بتماسكها ودفعها المخاطر التي تعرضت لها البحرين والكويت تحديدًا. وكانت الأزمة الخليجية هي آخر الرزايا التي استهدفت جوهر المجلس، وكادت أن تفسد العلاقات وتقطع الأرحام، لكن قادة دول المجلس عادوا مرة أخرى واجتمعوا حول الثوابت وطويت صفحة الأزمة.
دول الخليج، عند البعض، ليست سوى دول ثرية لا ماض لها، وإنما هي صور نمطية من الرجعية البدوية. زيف هذا الادعاء يفضحه مستوى التنمية النوعية للمكان والإنسان. لا أحد ممن يصفون الخليج بالرجعية إلا وتبدلت قناعاته بالسفر والعيش في دولها، حيث تبز الدول «التقدمية» بسنوات ضوئية في شتى المجالات.
يحسن معالي أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور نايف الحجرف الحديث عن المجلس، تحدياته وفرصه، ما تحقق وما ينتظر التحقق، ويجيد المقارنة بين دول الخليج التي تطلق خططها ورؤاها المستقبلية في ظروف جيواستراتيجية غاية في التعقيد، وبين دول إقليمية تكافح للمحافظة على وحدتها الوطنية بعد أن تمزقت أشلاء ودخلت في حروب أهلية عطلت عجلة التنمية، وأعادت تلك البلدان عقودا من الزمن إلى الوراء.
تستطيع دول المجلس أن تحلق بطموحاتها، وأن تبذل جهودا مضاعفة لتوحيد سياساتها تجاه التحديات، وفي ذات الوقت تترك مساحة لاختلاف وجهات النظر. يمكن أخذ العبرة من حجم الخلافات التي تدور بين دول الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك لم تعطل مسيرة الوحدة الأوروبية، وهكذا يجب أن تفعل دول الخليج، فتتنافس وتتكامل وتنسق، وتبقي على قواعد العمل المشترك الأساسية بعيدة عن الخلافات الهامشية. لكن الأمانة العامة في ظل طموح قيادتها الحالية بأمس الحاجة إلى دراسة نقدية لمسيرة 40 عامًا، وعرض ما تحقق والظروف التي تحقق فيها على العقل الخليجي والعربي والدولي بلغة علمية محايدة تكرس الإيمان بهذا المجلس، وتؤكد أنه واقع أكبر بكثير من التحديات التي تستهدف وجوده أو تقلل من شأنه.