د. أحمد محمد الألمعي
تشير نظريات علم النفس إلى أهمية مرحلة المراهقة في تكوين شخصية الفرد والسلوك الاجتماعي وتتلو هذه المرحلة في أهميتها مرحلة الطفولة. وفترة المراهقة هي مرحلة العمر التي تتوسط الطفولة واكتمال الرجولة أو الأنوثة، وتشمل النمو الجسمي والنضج العقلي والاجتماعي. وفترة المراهقة غالبًا ما تقابل مرحلتي التعليم الإعدادية والثانوية ولكن قد تصادف عند بعض الأشخاص المرحلة الجامعية إلى تقريبًا سن 25 كحد أقصى. وتختلف بداية هذه المرحلة ونهايتها حسب عدة عوامل تشمل ثقافة المجتمع والأسرة والتعليم وتجارب الحياة.
وعلى عكس تصور الكثير من الناس فمرحلة المراهقة تتميز بالاستقرار لغالبية هذا الجيل ومرحلة تكوين الأفكار الأولى للمستقبل، ويعتمد ذلك على عوامل كثيرة تشمل بيئة المنزل والأسرة والوضع الاجتماعي والاقتصادي ووجود القدوة الحسنة في بيئة المراهق/ة أو غيابها. ولكن هناك نسبة من المراهقين تكون هذه المرحلة من أصعب مراحل الحياة، وقد تقودهم إلى التمرد وسلوكيات مدمرة قد يعانون منها بقية حياتهم، مثل اعتناق أفكار متطرفة واستعمال المخدرات.
وحسب نظرية العالم النفسي ليفنسون فإن الشخص البالغ يمر بعدة مراحل للتطور تشمل تجارب نفسية واجتماعية وعاطفية تقود للنضج في هذه المجالات واكتساب الحكمة ومن ثم تؤهله لدخول المرحلة التي تليها. وتتميز كل مرحلة بعدد من السلوكيات وطريقة التفكير والأولويات، فمثلاً تتميز مرحلة التطور الأولى 17-22 سنة بقرارات تتعلق باختيار المستقبل كالتعليم الجامعي أو الوظيفة وقد تشمل ترك منزل الأسرة للسعي خلف مستقبل ورغبة معينة تكونت في مرحلة سابقة. وبالمقابل تتميز مرحلة منتصف العمر 40-50 سنة بتحقيق الاستقرار في عدة مجالات حياتية والالتزام بخيارات تتعلق بالوظيفة والأسرة وتقييم الإنجازات التي حققها الشخص في الفترات السابقة حسب أهميتها بالنسبة له.
ويمر بعض البالغين بمرحلة مراهقة متأخرة فتظهر عليهم السلوكيات المضطربة مثل الاندفاعية التي تؤدي إلى الانغماس في علاقات محرمة برغم أن الشخص متزوج وله أسرة، وقد يعاني من اضطرابات اجتماعية ومهنية. فقد يؤدي السلوك المندفع إلى مشاكل قانونية فنرى قيادة السيارات بشكل متهور والسفر والدخول في مغامرات قد تنتهي بنتائج ومضاعفات يعاني منها الشخص بقية حياته.
وقد يعاني الكبار مما يسمى أزمة منتصف العمر، فيمرون بمرحلة يشوبها القلق والتردد واضطراب في المزاج والسلوك والعلاقات الاجتماعية وعدم الرضا عما حققوه في حياتهم من إنجازات، فيتخذون قرارات متسرعة غير منطقية تتعلق بالأسرة والعمل وغيرها. وقد يكون من مظاهرها مثلاً السفر والانغماس في المتعة المحرمة وعلاقات غير محسوبة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو شراء سيارة جديدة شبابية فارهة. وقد تتأخر مرحلة منتصف العمر عند البعض إلى سن متأخرة 50-65 سنة ويتأخر تبعاً لذلك الالتزام بالخيارات المذكورة سابقاً، ويعانون من أزمة منتصف العمر، فنجد مثلاً شخصاً في الستينيات متزوجاً وله أبناء وأحفاد، متقاعداً ويعاني من مشاكل صحية مثل السكر الذي قد تشمل مضاعفاته ضعف القدرة الجنسية ومشاكل مالية يحضر لرؤيتي في العيادة ليطلب عقاراً مقوياً جنسياً لأنه مقبل على الزواج!
وبينما قد يرى كثير من أفراد المجتمع أن هذا السلوك مقبول ويجدون له المبررات الشرعية، فهو في الواقع يمثل اضطراباً نفسياً واجتماعياً إذا أخذنا في الاعتبار الصورة التي ذكرتها سابقاً، لأن هناك ضوابط ذكرت في الشرع لتعدد الزوجات منها العدل بين الزوجات ويشمل ذلك القدرة الجسدية والمالية إلى آخر ذلك من الضوابط التي ذكرت في النصوص الشرعية. وقد يجد البعض المبرر لسلوك بعض المراهقين والشباب والذي يشكل مخالفة صريحة للقوانين وأذى للمجتمع ينتج عنه كوارث، فقيادة السيارة بتهور والتعدي بالتهديد والألفاظ النابية على كل من في الطريق ليست حرية شخصية أو مبررة بمرحلة المراهقة، لأن النتيجة أن الطرق أصبحت غير آمنة وكثرت حوادث السيارات المروعة وأصبح هذا الجيل من المراهقين في مختلف الأعمار هم من يسيطر على الطرق وينشرون الرعب فيها. سن القوانين وتطبيقها مهم ولكن هناك مسؤولية اجتماعية لنبذ هذه السلوكيات ومسؤولية أسرية على الوالدين تنتج من الوعي المجتمعي، فما أصعب أن نعيش في مجتمع مضطرب غير آمن وهذا ما سيحدث إذا تركنا أمثال هذه السلوكيات تنتشر.