د.م.علي بن محمد القحطاني
من أوجه صعوبة إدارة الكوارث أنها ليست أرقاماً يمكن حسابها وحسبتها ولا معادلات يمكن حلها وفك طلاسمها، بل اعتبارات متعددة وشواهد ومعطيات تدرس مع وضع عدة احتمالات للتنبؤ بالنتائج وهذه تعتمد على مراكز القيادة والتحكم باختلاف مسمياتها في كل دولة ومدى قدرتها على قراءات الأحداث واستخلاص النتائج وتوقع ما لا يمكن حدوثه والتعامل مع ما يحدث.
وإدارة الكوارث وكما أشرت في مقال سابق، من أهم ميزاتها أنها ديناميكية متغيرة باستمرار، بل سريعة التغيير، مما يستوجب المرونة في اتخاذ القرار وسرعة الاستجابة لما يفرضه الواقع من متغيرات، ومن أهم سماتها أنها خطة حية تتأثر بما حولها وتأثر فيه كرصد ومراقبة الأحداث وإعداد الحالات والمتغيرات مع كل مرحلة ومن ثمة تعديل قرارات أو زيادة أوقات ونطاق الحظر أو تخفيف القيود ..الخ.
وفي جائحة كورونا كان لزاماً على قادة الدول التحلي بالشجاعة للإقدام على الانفتاح والتعايش مع فيروس كورونا والشجاعة هنا ليست بالتهور والمجازفة واللا مبالاة مثلما حدث في بعض الدول، بل شجاعة في اختيار ساعة الصفر المبنية على قيم ومبادئ وأهداف كل دولة وعلى دراسات علمية من معطيات الواقع بعد تتبع النتائج ومدى نجاح الخطط والجانب المهم هو توسيع دائرة الاهتمام والدراسة ليشمل ما يدور في العالم من حولنا من تفشيات للوباء وتحورات للفيروس ونجاح اللقاح ومنذ بداية الجائحة أثبتت المملكة قدرتها وتميزها في هذا المجال ومن ثمة الاعتماد على شريكها الأساسي في مكافحة الوباء والحد من تفشيه وهو الإنسان (المجتمعات) والذي أثبت أنه الجناح القوي الآخر للتحليق في آفاق النجاحات والإبداع والتميز.
وبنظرة سريعة على وضع كورونا واحصائياتها في المملكة فهي تشهد تدنياً في مستوى أعداد الإصابات والحالات والمنحنيات وتمنحنا الثقة بأنها تحت السيطرة وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى ثم جهود دولتنا أيدها الله وأدام عزها وتعاون المجتمع معها فالحمد لله لما وصلنا إليه فنحن نعيش اليوم في مراحل ومستويات آمنة، بل مستويات ومكتسبات مهمة والأهم هو المحافظة على هذه المكتسبات.
أما على مستوى العالم فيشهد ارتفاعات ومنحنيات في دول متعددة ويستمر اليتصاعد ليتسع معها ارتفاع الحالات، فها هي أوروبا عادة بؤرة للوباء مجدداً ظل ارتفاع عدد الإصابات في أنحاء القارة مما دعا دولاً أوروبية عدة لتشديد القيود. مثل العودة لفرض الكمامات وفرض حظر جزئي أو كلي لغير المحصنين في بعض المدن وعودة الإغلاق وتطبيق الاحترازات بقوة وبشدة مما يعيق العديد من المناشط بها.
فالنمسا فرضت قيودًا جديدة في ظل مساعيها لمواجهة تفشي الوباء حيث ستعيد فرض الإغلاق الكامل على الجميع مجددا مطعمين وغير مطعمين، مما يجعلها أول بلد أوروبي يتخذ مثل هذا القرار. وذلك بعد أن واصلت الإصابات ارتفاعها، وبلغت أرقاماً قياسية جديدة بأكثر من 15 ألف حالة إصابة يوميا.
كما أعلنت حكومة المجر أنها ستعيد إلزام السكان بوضع الكمامات في الأماكن المغلقة.
وبلجيكا قررت توسيع استخدام الكمامات والعمل عن بعد مجددًا.
وفي روسيا طالبت الحكومة بالزامية تصاريح المرور الصحية في الأماكن العامة.
وأخيرًا بريطانيا فقد صرح رئيس الوزراء بوريس جونسون بالجرعة المعززة ستكون مطلوبة.
وإذا أخذنا ألمانيا كمثال للدراسة والتحليل نجد أن «الموجة الرابعة» لتفشي الفيروس بشكل غير مسبوق تحولت معه من بلد «نموذج»، يُقتدى به عالميا في سياسات محاربة الجائحة، إلى بؤرة مقلقة للوباء. فما هي خلفيات هذا التحول؟ هذا وتزداد المخاوف مع قرب احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة. ويبدو المشهد العام في ألمانيا مضطرباً ويشبه إلى حد ما الأجواء التي سادت البلاد في نفس الفترة من السنة الماضية (2020)، خصوصا من حيث ارتباك القرارات السياسية في مواجهة الجائحة، وكأن موجة كورونا الجديدة جاءت من فراغ أو سقطت فجأة من السماء. وكل مرة يتجدد الجدل بين مؤيدي التطعيم ورافضيه، ونفس الشيء ينسحب على تضارب التدابير المتخذة بين المستويين الاتحادي والولاياتي. وتجاوز عدد الإصابات اليومية بالفيروس 52 ألف حالة لأول مرة منذ ظهور الوباء في البلاد، فيما بلغ عدد الوفيات 235 حالة (الخميس 11 نوفمبر)، في مؤشر على عنف موجة كورونا التي تعصف بها حاليا، وهو ما أكدته بيانات معهد روبرت كوخ، فيما قالت المستشارة ميركل إن ارتفاع عدد الإصابات بات «مأساويا» وتدعو من لم يتلق التطعيم لإعادة النظر في موقفه. مما دعا العديد من العلماء والمتخصصين الألمان على التأكيد بضرورة اتخاذ قرارات سيادية أكبر للتمكن من كسر الموجة الرابعة ومنع الأسوأ خلال فصل الشتاء.
وعلى الرغم من كل المؤشرات الداعية للاطمئنان ومنها الحالات قليلة ونتمنى أن تتلاشى نعم الإصابات منحسرة ولكنها موجودة ولا نرغب في ارتفاعات أو ارتدادات أو موجات متكررة كما حدث في عدد من الدول وأن ما وصلنا إليه من مكاسب يجب المحافظة عليه بقوة لاجتياز المراحل القادمة فهي الأكثر أهمية في هذه الجائحة.
فمن باب الحيطة والحذر علينا توقع أسوأ الاحتمالات ومنها عودة ارتفاع أعداد الإصابات وكل ما سيترتب عليه وعلى كافة الأصعدة الطبي منها بكثافة وتزايد أعداد مراجعي المستشفيات ومن ثمة العناية الحرجة وأقسام الطوارئ وفي الحالات المتقدمة مما سيؤدي إلى ضغط على القطاعات الصحية وفي زيادة أعداد الوفيات نحن لا نتحدث عن عدد، بل أرواح بريئة وأشخاص عزيزين علينا.
أما على الصعيد النفسي والاجتماعي فإنما تفرضه هذه الحالة على صانعي القرار للعودة للإجراءات الاحترازية والخطوات الوقائية بما فيها الحظر والإغلاق.
وللمحافظة على هذه المكتسبات فإن الوصفة في متناول الجميع بإذن الله ومنها المسارعة باستكمال التحصين ومن لم يأخذ اللقاح فليبادر بأخذه فهو أهم سلاح في هذه المرحلة وتطبيق الإجراءات الاحترازية والسلوكيات الصحية مع الزامية تصاريح المرور الصحية (توكلنا) في الأماكن العامة والبعد عن التجمعات مهما كانت المغريات والتوسع في إعطاء الجرعة المعززة الثالثة بعد ما لا يقل عن ستة أشهر من الجرعة الثانية وأخذ التوجيهات وأخبار الجائحة وتطوراتها من مصادرها الرئيسة.