فاطمة بنت يحي عدوان
ستمر تلك المرحلة التي تشعر فيها بأنك انتهيت، وستنهض من جديد إذا أدركت أنها سنة الله في خلقه، وأن طبيعة الحياة هي التغيير، وأنها لا تسير على وتيرة واحدة، يومًا ما ستجد نفسك أصبحت تشع بالحياة والخير والعطاء، وسيلتئم ما هو في ذاتك لا محالة. إن الوصول إلى مرحلة التشافي الذاتي بحاجة إلى قوتك الداخلية النابعة من وعيك ويقينك التام بالتغيير لما هو أفضل، يقينك التام بأن هذه المرحلة هي ما كنت أنت بحاجة إليه حتى تتغير حالك لما هو أفضل، بغض النظر عن حجم الخسارات التي تعرضت لها إلا أنك قادر على البدء من جديد وبالقوة والالتئام الذاتي التام.
فلا تخاطب ذاتك بلغة اللوم والزجر؛ لأن كل خطوة تمارسها تؤثر في صحتك النفسية، ومنها إلى صحتك الجسدية؛ فتهزل وتمرض وتكتئب ولا تشعر بنفسك إلا عندما تخسر كل شيء جميل كنت تمتلكه بسبب المواقف أو الظروف الطارئة، والتي لا يكاد يخلو أي كائن على هذه البسيطة منها، ولكن الاختلاف في الأمر أنك أصبحت تستلم دون إدراك المسلمة الربانية التي يقول الله عنها في كتابه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَد} (البلد: 4)، بمعنى أن كل بني آدم في معترك وصراع مع الحياة، ولكن نقطة الاختلاف هي الممارسة الصحيحة مع الظروف الطارئة.
أول خطوة تصل فيها إلى مرحلة التشافي الذاتي هي ضبط الغاية التي خلقنا الله من أجلها؛ فالمرء الذي يشبع ذاته بالاستقامة والاعتدال على أمر الله لا يتخبط بعشوائية، بل يأنس وينتظم وتصفو حياته ويصبح لها غاية، فتجد روحه تمتلك طاقة إيجابية عميقة تعينه على الوصول إلى الالتئام الذاتي.
إن الطاقة الإيجابية التي تعينك على مواجهة ظروفك منبعها ذاتك الداخلية العميقة المشبعة بالإيجابية والرضا والثقة بأن التغيير آت؛ فالأمر يبدأ كبيرًا ثم يهون، وعليك بحسن الظن، ولو أن بداية كل أمر عسيرة إلا أن المرء حين يتدرب على ذلك تدريبًا مستمرًا يتفاجأ بقوة الفعالية في امتلاك القدرة العالية على تغيير الحال؛ كون الإنسان كتلةً من المشاعر يحاكيها مع ذاته وجسده، ومن ثم يجب الحرص على أن تكون تلك المشاعر مليئة بالحياة والحب والتفاؤل.
والإنسان في هذه المرحلة يحتاج إلى إشباع رغباته الذاتية التي تنعكس عليه إيجابًا، والتي يأتي في مقدمتها تقدير الذات، فتقدير الذات من الخطوات السليمة في مرحلة العلاج، ويكون ذلك باحترامها وإعطائها حقها وقيمتها الحقيقية؛ لأنك تستحق ذلك، ولأن التقدير المرتفع يجعل المرء قادرًا على التحمل والصمود، والتأكيدات الإيجابية «سأكون بخير» «أنا ناجح وأستطيع» سلاح ناجح إذا استخدمت بطريقة صحيحة، إضافةً إلى تذكير النفس بقيمتها الحقيقية، والبعد عن جلد الذات وانتقاصها؛ فالكمال لله وحده، وكل شخص لديه جوانب رائعة وفريدة أحيانًا.
لذلك عليك الانشغال بما هو جيد؛ من ممارسة للرياضة، والاسترخاء، وبناء العلاقات الإيجابية التي تعطيك وتأخذ منك باتزان، وابتكر فكرةً تغير فيها الروتين المعتاد وتكسر بها الجمود الحاصل لديك، استعمل عقلك فيما هو مفيد وجيد، وابحث عن شغفك وهواياتك، بالكاد كان هناك أمر أنت تحبه، وقريب إلى قلبك، لا بد من العودة إلى ذلك الشغف والانشغال به.
إن ممارسة الشكر والامتنان على كل لحظات حياتك الجميلة والعلاقات الإيجابية الموجودة بجانبك سلوك له تأثير على الوصول بك إلى مرحلة عميقة من التشافي الذاتي، اصنع المعروف واسع في الخير تشعر بالرضا الداخلي، واستمتع بحياتك وابتسم، واصنع بداخلك الأمل؛ فالحياة تحمل بين ثناياها الخير الكثير، وهي جميلة لمن يراها في عينيه كذلك.
وتذكر أن شفاءك نابع من ذاتك، ولا يمكن لأي شخص آخر أن يجعلك في صحة جيدة سوى نفسك. لنتفق معًا على الابتعاد عن أي علاقة سامة، العلاقة التي تأخذ منك وتستنزف طاقتك وجهدك وتجعلك تدور في دوامة جلد مع ذاتك دون فائدة؛ لأنك إذا تألمت لا يوجد سوى ذاتك هي الوحيدة التي تشعر بك؛ فلا تحملها ما لا طاقة لها به، واعتن بنفسك جيدًا.
** **
مدرب معتمد - ماجستير أصول تربية