د.شريف بن محمد الأتربي
لا يزال تاريخ العالم مجهولاً حتى الآن؛ وإن كان البشر اتفقوا ضمنياً على التأريخ قبل ميلاد المسيح عليه السلام - وبعد ميلاده، وكذلك في التاريخ الإسلامي، قبل الهجرة النبوية المشرفة، وبعدها، وخلال هذه الحقب الزمنية المختلفة دارت أحداث ووقائع كثيرة جداً، تم ذكر بعضها نتيجة التسجيل والتدوين، ونُسي الكثير منها أيضاً ولم يسجل، والمتأمل لكل هذه الأحداث يجد أن أغلبها - وإن نسبت لحضارة ما أو دولة ما - مرتبطاً بأسماء أشخاص معينين، هم من أحدثوا فارقاً في التدوين؛ بل وأجبروا المدونين على تتبع أثرهم وكتابة سيرهم، وتقصي أخبارهم.
وفي الموسوعة البريطانية ورد تعريف لعلم التاريخ، بأنه: يُعرّف علم التاريخ (بالإنجليزيّة: History) على أنّه العلم الذي يهتمّ بدراسة السجل الزمنيّ للأحداث التي أثرت على أمة ما، إذ يستند على الفحص النقديّ لمصادر المعلومات المختلفة، ويُقدّم تفسيراً لأسباب هذه الأحداث، حيثُ يجمع المعلومات المرتبطة بالمواضيع التاريخيّة من عدّة مقالات تشتمل على تاريخ، وثقافات الشعوب، والدول، كما يحصل على المعلومات التاريخيّة للشؤون العسكريّة، والاقتصاد، والقانون، والأدب، والعلوم، والفنون، والفلسفة، والدين، وغيرها من المجالات الإنسانيّة.
وهناك فرق كبير بين التاريخ والتأريخ، فالتاريخ هو الأحداث التي حصلت عبر الزمان، أما التأريخ فهو عملية توثيقها وتسجيلها.
ويرتبط مفهوم التاريخ بالماضي حيث يُستخدم مصطلحه للتعبير عن مجال الدراسة المتعلقة بتفسير السجلات الموثقة عن النشاط البشري السابق والأشخاص والمجتمعات والحضارات كافة من الماضي إلى الوقت الحاضر، كما أنه يشتمل أيضًا جميع ظواهر الطبيعة وتغيراتها مع الزمن، ومن خلال تفسيره وتحليله لجميع الروايات التاريخية، فهو يحفز التساؤلات حول ما ستؤول إليه الأمور بسبب عمليات التطور والتغيير، وفي الماضي صُنّفت دراسة التاريخ بأنها جزء من العلوم الإنسانية والأدب، لكن لاحقًا اعتبره العديد في الأوساط الأكاديمية الحديثة أنه علم اجتماع، وقبل ظهور أقدم السجلات الموثقة والتاريخية التي تحتوي على 99 % من البيانات المتعلقة ببداية البشرية، كان هناك عصور ما قبل التاريخ التي اكتشفت من خلال علوم الحفريات والآثار، أما الثقافات التي لم يظهر فيها أي سجلات مكتوبة توثق تاريخها، فكان يُستخدم فيها التقاليد الشفوية، أي (النقل الشفوي)، وهذا بالطبع جزء أساسي وهام من تطوّر التاريخ ولا يزال هناك العديد من المؤرخين الذين يكملون السجلات المكتوبة لدى بعض الثقافات مستعينين بالتاريخ الشفوي، مثل تاريخ السكان الأصليين الأستراليين المستمد من مصادر شفهية.
وقد اشتق مصطلح التاريخ من اللغة اليونانية القديمة «تأريخيًا» والتي تعني التعلم أو المعرفة من خلال البحث والتحقيق، أما في اللغة الإنجليزية الوسطى كان معناها «القصة»، ودخل مصطلح التاريخ إلى اللغة الانجليزية في العام 1390م، وأُثبتت الصفة التاريخية عام 1561م من خلال المؤرخ أي الباحث عن التاريخ والذي يسجل الأحداث فور حدوثها، والذي بدأ منذ عام 1531م، ومع تطوّر العصور وعلم التاريخ ظهر علم التأريخ ويُقصد به دراسة وتحليل التاريخ من خلال الفلسفة.
ويمكن دراسة التاريخ من وجهات نظر قومية أو أيديولوجية مثل الأيديولوجية التي تبنت التأريخ الماركسي، بالإضافة إلى اعتماد بعض المؤرخين التاريخ الافتراضي الممثل لبعض أشكال التكهنات التاريخية كوسيلة لاستكشاف وتقييم النتائج المحتملة إذا لم تحدث بعض الأحداث، أو إذا حدثت بطريقة مختلفة، فيتكهن المؤرخون تبعًا لوجود بعض المعلومات المساعدة والتصورات في خيالهم، وهو ما يشبه التاريخ البديل للخيال، ويمكن للمؤرخين من خلاله استنباط الأحداث التي يمكن أن تقع استنادًا لمعلومات وأحداث تاريخية وقعت سابقًا.
وحيثما وجد العظماء وُجد التأريخ، فالعظماء هم من يصنع التاريخ، فالتاريخ لا يصنع أحد، وحتى ولو صنع التاريخ بطلاً فنحن جميعاً متيقنين أنه بطل من ورق، تم صناعته للإلهاء وليس للاقتداء، وكثيراً هم هؤلاء الأبطال الورقيون الذين تناولهم المؤرخون بالكتابة والتأريخ، بل ووصل الحد ببعضهم أن جعل لهم أعيادا يُحتفى خلالها بهم، وتسترجع فيه بطولاتهم الهلامية الوهمية، وتصور كأنها أحداث ملحمية.
وفي العالم العربي نجد الكثير من هؤلاء الأبطال الوهميين، الذين سرعان ما تلفظهم دفاتر التدوين، ليظل بها فقط أبطال حقيقيون، هم من صنع التاريخ، وليسوا من صُنع التاريخ.
ونحن في المملكة العربية السعودية ولله الحمد نصنع تاريخاً ليس لنا فقط ولكن للعالم كله، سيكون للأجيال القادمة منارة للعلم، ودستوراً للحياة.