سلمان بن محمد العُمري
سعدت كثيرًا وأنا أقرأ الكتاب الذي بعثه صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير إلى الشيخ ظافر بن علي الهويدي الأحمري والد الطبيب الاستشاري محمد بن ظافر الأحمري، والذي تضمن شكر سمو الأمير لوالد الطبيب على ما قام به ابنه من عمل إنساني نبيل في إنقاذ حياة إنسانة في آخر الليل من أبها إلى محايل عسير لإنقاذ هذه المرأة التي تعرضت لأزمة قلبية وقام بواجبه على أتم وجه.
ولا أخفيكم أنني قرأت الكتاب ولا أقول (الخطاب) كما يسميه البعض، مرارًا إعجابًا وتقديرًا لما فيه، وكونه من الأعمال التي تستحق أن تخلد وتذكر.
ومن الأقوال الشائعة قديمًا عن الآباء وكبار السن حينما يسمعون أو يشاهدون فعلاً جليلاً من أحد أبنائهم أو جماعتهم يبادرونه بمقولة مشهورة، «بيض الله وجهك.. رفعت رؤوسنا»، والشيخ الأحمري يحق له أن يفخر ويرفع رأسه بما فعله ولده أولاً، وبتكريم سموه له بهذا الشكر الخاص الذي يستحقه.
نعم إن للتربية والتوجيه من الوالدين أثر في التحصيل العلمي والتوفيق العملي وقبلها في السلوك، وحينما تجتمع هذه العناصر فهذا فضل من الله عز وجل لأننا وللأسف نجد من لديه العلم والشهادات العليا والمناصب القيادية ولكنه في آخر الصف في الإنسانية والسلوك والتعامل مع الآخرين يتعامل مع الناس بصلف وفوقية وأخلاقه تجارية بحتة ينظر للغني وليس للفقير، وللكبير دون الصغير مقاماً، وتقوم علاقاته وفق المصلحة وليس المبادئ، وهذا خلاف الشخص السوي الذي يخالف هذا في جميع تصرفاته فتجده مبادر لزرع الابتسامة في وجوه الآخرين، ويبذل من وقته وجهده، بل ومن جيبه ما يعين به الآخرين مادياً ومعنوياً وبكل ما يملك من علم أو عمل ويسخرهما في خدمة الناس وإسعادهم، وهذا السلوك الحميد لا يتأتى بين عشية وضحاها بل هو بعد توفيق الله عز وجل نتاج تربية حميدة، وأخلاق فاضلة غرست في هذا الإنسان منذ صغره وعلى يد والديه ومعلميه وبيئته ومجتمعه، على خلاف من يزرعون في نفوس أبنائهم منذ الصغر حب الذات والأنانية وعدم التضحية، وصدق الشاعر العربي حينما قال:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عوده أبوه
ومما يروى عن السلف في تربية الأبناء قول أحدهم (الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما ينقش ومائل إلى كل ما يمل إليه به، فإن عوّد الخير وعلم إياه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم ثم شقى وهلك وكان الوزر رقبة القيم عليه والوالي له).
فالوالدين هما القدوة لأبنائهم، وهما المكون الرئيسي في الأخلاق والسلوك والهمة والجدية والالتزام، لذا فمنزلتهم في التربية عالية جدًا، وكل شاب طموح ومهذب ومتوثب للمعالي من الأخلاق والأعمال لم تعصره التجارب فحسب بل كان جوهرًا نفيسًا صقلته أيدي مهرة وكونته حتى أضحى درة غالية الثمن في أعين الناس.
شكرًا لسمو الأمير، وشكراً للوالد على حسن التربية، وهنيًا له بالتقدير، وهنيئاً له بالسيرة الحسنة والتفوق العلمي والعملي لابنه، وهنيئاً للدكتور أن وفقه الله لخدمة الناس في مجال حيوي مهم وأسهم في إنقاذ أرواح بشرية وتفانيه في عمله وتضحيته بوقته ووقت عائلته في سبيل خدمة الناس ورعاية المرضى، وإدخال السرور على ذويهم وعلى أنفسهم بالمبادرات الإنسانية، والله لا يضيع أجر المحسنين.