كتب - عبدالعزيز الهدلق:
أجرى معهد الإدارة العامة دراسة وطنية متخصصة بعنوان «السياسات والإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية للمملكة العربية السعودية للتعامل مع فيروس كورونا المستجد Covid - 19». وقد استهدفت هذه الدراسة رصد أهم السياسات والإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية لمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، وتحديد مدى توافقها مع السياسات التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية للتعامل مع الجوائح والأوبئة، ومقارنتها بمجموعة من التجارب الإقليمية والدولية. وذلك بهدف الوصول إلى إطار عام للمملكة العربية السعودية يمكن استخدامه للتعامل مع الأوبئة والجوائح المماثلة مستقبلاً.
وقد أجرى الدراسة فريق من الخبراء المتخصصين في مجال الإدارة الصحية بمعهد الإدارة العامة برئاسة الاستاذ عبد الله بن عبد الرحمن المقرن، وعضوية كل من: الدكتور فؤاد بن عبد العزيز المبارك، الدكتور أحمد محمد رشاد، الدكتور معتز كرم عجينة، الاستاذ علي بن راشد الغفيلي. وقد شمل مجتمع الدراسة الجهات المعنية باتخاذ القرارات وصنع السياسات الصحية وهي وزارة الصحة، مركز القيادة والتحكم، المجلس الصحي السعودي، المركز الوطني لإدارة الأزمات والكوارث الصحية، هيئة الصحة العامة «وقاية». بالإضافة عدد من الجهات المقدمة للخدمات الصحية، وهي: الخدمات الطبية بوزارة الداخلية، الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني، الخدمات الطبية للقوات المسلحة، وزارة التعليم، مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث. كما تم الاستعانة بآراء مجموعة من الخبراء والمتخصصين المحليين والدوليين، وقد خضع اختيار الدول للمقارنة بتجربة المملكة لمجموعة من المعايير، منها: وضوح الملامح الأساسية لهذه التجارب من حيث السياسات والإجراءات التي تمت فيها، والتنوع في الاستراتيجيات التي تم تطبيقها، والمصداقية والشفافية في إعلان ونشر البيانات والمعلومات وبخاصة المرتبطة بالإحصائيات، وتوفير بيانات ومعلومات ذات جودة من حيث شمولية واتساق ومصداقية وحداثة البيانات على مدى الإطار الزمني للجائحة والدراسة، وكذلك تم اختيار تجارب إقليمية من بين دول الخليج المشابهة للمملكة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وقد شملت التجارب الإقليمية دولة الكويت والإمارات العربية المتحدة. وشملت التجارب الدولية كلاً من الدول التالية: تايوان، كوريا الجنوبية، سنغافورة، نيوزيلندا، السويد، ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا.
وقد أظهرت نتائج الدراسة توافق السياسات التي اتبعتها المملكة العربية السعودية بدرجة مرتفعة جدا مع توصيات منظمة الصحة العالمية للتعامل مع جائحة فيروس كورونا. كما أظهرت المقارنة مع التجارب الإقليمية والدولية نجاح السياسات والإجراءات التي اتبعتها المملكة في اكتشاف الحالات وإدارتها واحتواء انتشارها، بشكل يتوافق مع مستوى قدرات النظام الصحي بتقديم أفضل علاج ورعاية صحية ممكنة للحالات وهو ما انعكس على انخفاض نسبة الوفيات بين الحالات بنسبة (1,27 في المئة) مقارنة بالمتوسط العالمي (3,26 في المئة). ويعود الفضل في ذلك إلى سرعة البدء والاستعداد المبكر لمواجهة الجائحة في المملكة، وتبني استراتيجية تهدف للقضاء على الجائحة حيث جاءت المملكة في المرتبة الأولي مقارنة بباقي التجارب من حيث متوسط شدة الإجراءات التي اتخذتها والتي شملت فئات سياسات قيود الحركة، الصحة العامة، التباعد الاجتماعي والإغلاق، حيث أقرت حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - الحفاظ على الإنسان وصحته كأولوية مطلقة وبادرت جميع القطاعات والأجهزة الحكومية باتخاذ السياسات والإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي تهدف إلى تسطيح المنحنى الوبائي، وإبطاء سرعة تفشي الوباء، فضلا عن استخدام التقنيات الحديثة والتطبيقات الذكية، والشفافية وازدياد وعي أفراد المجتمع واستشعارهم المسؤولية.
ومن أبرز مخرجات الدارسة ما يلي:
أولاً - الدليل التوثيقي للإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية للتعامل مع فيروس كورونا المستجد. وهو عبارة عن دليل يشتمل على الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي اتخذتها المملكة للتعامل مع فيروس كورونا المستجد، المبادرات التي اتخذتها المملكة للتخفيف من ثار جائحة كورونا، مبادرات المملكة في قمة العشرين G20.
ثانياً - الإطار العام المقترح للمملكة العربية السعودية للتعامل مع الجوائح والأوبئة، وهو عبارة عن إطار عام مقترح يشتمل على: أهداف ومراحل الإطار العام، توقيت مراحل الإطار العام، أهم الأنشطة في كل مرحلة، مسؤولية الجهات الحكومية. ويهدف الإطار العام إلى تقديم منهجية مرجعية يمكن الاستعانة في المملكة في التعامل مع الجوائح والأوبئة المماثلة لفيروس كورونا بشكل خاص، والجوائح والأوبئة بشكل عام. وذلك بالاستفادة من تجربة المملكة ومجموعة من التجارب الإقليمية والدولية والتوصيات الصادرة من منظمة الصحة العالمية.
وخلصت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات، كان من أبرزها: تطبيق الإطار العام (المقترح) في المملكة في التعامل مع الجوائح والأوبئة مستقبلاً، والعمل على تطويره بشكل مستمر، وإجراء دراسة تختص بفصل الاختصاصات والمهام للجهات المتعاملة مع الجوائح والكوارث الصحية بالمملكة، وتمكين القيادات والعناصر الشابة التي شاركت في إدارة الجائحة الحالية، ورفع قدراتها لتكون نواة لبناء كيان حكومي لإدارة الأوبئة والجوائح، مع تنفيذ معهد الإدارة العامة لبرامج تدريبية متخصصة في إدارة الأزمات (الصحية) لتعزيز القدرات الوطنية في هذا المجال، واستمرار الدعم لما تم بناؤه من بنية تحتية تكنولوجية للتحول والرقمي في القطاع الصحي، ودعم الصناعات الوطنية في القطاعين العام والخاص لتوفير وصناعة أدوات الحماية الشخصية ومكافحة العدوى مع أهمية الاستمرار في تفعيل صندوق الوقف الصحي، وإجراء المزيد من البحوث الميدانية والتطبيقية والخاصة بالكوارث والجوائح الصحية والاستفادة من توصياتها، والاستمرار في تدريب وتحضير الكوادر الطبية والصحية في المملكة لرفع حالة الاستعداد الدائم لمثل هذه الجوائح والأوبئة، ورفع كفاءة وفاعلية مركز التطوع الصحي التابع لوزارة الصحة ليكون نواة لمركز وطني للتطوع الصحي في المملكة، التوسع في التعاون مع المنظمات الصحية الدولية. بالإضافة إلى عقد الشراكات الدولية مع وزارات الصحة في الدول المتقدمة لتبادل الخبرات والمعلومات.