إنّ مفهوم الثقافة مفهوم موحد لا لبس فيه في جميع أنحاء العالم حيث يشير الى قدرة الإنسان على ربط الخبرات والمعارف ومشاركتها الآخرين بوصفها علماً يستمد منه الفائدة وتعم منه وبه المعرفة، ولا تقتصر على عمر أو جنس أو لون. وتحث الثقافة الحقة والثابتة على الاحترام المتبادل بين تعددية الأديان واختلاف المبادئ والاتجاهات.
وأما علاقة الثقافة بالقراءة فهي علاقة الشراع بالسفينة إذ تُعتبر القراءة عمود الثقافات ومنارتها؛ فهي تساعد القُراء على الوعي الذاتي والمجتمعي وترسم ملامح الانسان الداخلية وتدفعه للبحث الدائم المستمر . يقول جراهام جرين مؤلف رواية قطار اسطنبول: «أحياناً أفكر أن حياة الفرد تشكلت بواسطة الكتب أكثر مما ساهم البشر أنفسهم في تشكيل هذه الحياة». فالمسافة بين شخص يقرأ وشخص لا يقرأ تُقدر بيقظة وادراك القارئ بنفسه وبما حوله وبفهمه لما يريده هو وما يريده الآخرون من حوله: مجتمعًا أو أفرادًا.
بخلاف الاعتقاد السائد -ليس كل القراءات مفيدة- فبرأيي الشخصي أن جميع انواع القراءة معرفة؛ إما بزيادة حصيلة اللغة والمفردات، أو بدفع القارئ إلى البحث أو حتى بتنمية عادة القراءة. ولو عدنا قليلًا إلى التاريخ لوجدنا أن اول ما تحرقه الحروب هي المكتبات؛ وذلك لأنها قادرة على تشكيل جنود فكرية، من الصعب هزيمتها ومن المستحيل إخضاعها، أو هزيمتها. القراءة عين حارسة على الثقافة، وسلسلة غليظة من المعرفة والاحاطة، وثورة في مهارات الفهم الشمولي. كما أنها تُعدّ ثروة لفكر الفرد يرى من خلالها جوانب مختلفة لكل شيء، وتحثه للبحث عن معنى الحياة وقيمتها واكتشاف خفاياها والاستزادة من خبرات الغير وتجاربهم واختصار مشاوير طويلة في حياته. كتب أيمن العتوم ذات مرة قائلًا: «القراءة تختصر أزمنة وتكثف تجارب وتنقل خبرات يحتاج المرء معها الى آلاف السنين لكي يحصلها ولا يستطيع؛ وحده الكتاب قادر على أن يضع أمامك ذلك خلال حياتك أنت».
ولعلي أختتم مقالتي هذه بأنّ القراءة إشارة تساعد الفرد في تهيئة بيئة أقل تعقيداً، وأوسع منظوراً وهي كذلك عملية مستمرة لتنمية الجوانب الروحية والجمالية والفكرية والاجتماعية، متى ما أُحسن توظيفها واستغلالها.
وآخر القول: يأتي على عاتق الجميع زرع بذرة القراءة في الأطفال؛ لمساعدتهم في التعرف على أفضل وأهم ما تم الوصول إليه فكراً وقولاً؛ لأنها فعل ضروري لتشييد جيل يفكر ويرى بعقله قبل عينيه، جيل لا يخسر، جيل يبقى على قيد التفكير والوجود.. كما قال ديكارت: «أنا أفكر إذًا أنا موجود».
** **
- جواهر عبدالله