عبده الأسمري
يرتبط الأدب بالنفس ارتباطاً وثيقاً؛ فمن بين خلجاتها وثناياها تتجلّى مضامين الثقافة وعناوين الفصاحة، ومنذ أن خلق الله الأرض وإلى أن يرثها ومن عليها يبقى الإنسان في مهمة»الإنتاج» الذي يرسم ملامح «التطوير» ويؤسس «مطامح» الابتكار لخدمة الإنسانية ودعم البشرية.
في عمق الأنفس البشرية مواهب كامنة وطاقات خاملة تحتاج إلى»التحفيز» وحينما يكون الحديث عن الأدب فنحن إمام دروب ليس لها نهاية من الفنون المختلفة التي رافقت حياة الإنسان ومعيشة الشعوب في كل العصور من خلال الخطابة والحديث والتأليف والحكمة والدراية والموهبة والمهارة التي تجتمع كلها لإنتاج «الثقافة» التي ينهل منها الإنسان وتنتهل من خلالها المجتمعات.
في صفحات التاريخ جاءت الرواية من عمق «الهموم» وولدت من رحم» الغموم» لتعكس البدايات في صورة»اختراعات» ثم توالى الإنتاج فيما بعد ليدخل في مسارات متباينة من النمطية في حين ارتفعت بعض الروايات لتلامس سقف «الاختراع» لأنها صبغت بصبغة الإبداع حيث امتهن كتابها «العزف» على أوتار «الانفراد» حتى يكون لهم وقعهم الخاص في واقع»المجد» وفي ميادين»النقد».
والأمر يسري على الشعر فلو رأينا فطاحلة الشعر الجاهلي وشعراء صدر الإسلام وعباقرة القصائد في الدولتين الأموية والعباسية وما حفل به «بلاط» السلاطين في الأندلس والمغرب العربي وفي المشرق لشاهدنا»إبداعا» حقيقاً كان هدفه «توريث» الإمتاع إلى عصور لاحقة فظل ناطقاً حتى اليوم ..
انشغلت أوروبا وأمريكا اللاتينية وحتى أفريقيا وجادت مكتباتها ومطابعها بالقصص والروايات الكبيرة فيما احتفت بلاد الشام واليمن والجزيرة العربية بالشعر الفصيح وجاءت مرحلة «الحداثة» ووجبت فرصة «التحديث» فجاء الشعر في رداء جديد من الشعر الحر ومن نصوص التفعيلة الأمر الذي جعل لدينا شيئاً من الإبداع ثم رفع عمالقة الشعر العربي مثل عمر أبو ريشة وعبدالله البردوني ومحمود درويش ونزار قباني وفاروق جويدة وحسين عرب وغيرهم من أسهم «الثقافة» عبر «الشعر» فكان للأدب تاريخه الخاص في اعتماد على «الابتكار» بعيداً عن النمطية السائدة التي تورث «التكرار» مما يجعل الإنتاج «وسيلة» للثبات بعيداً عن كونه «غاية» للإثبات في ظل تنافس تشهد عليه أوساط «النقاد» وتعترف به «وسائط» الانفراد .
عندما نظر بعض الأدباء إلى «الأدب» كمجال لرفعة المجتمعات ومحك لارتفاع الإنجازات انكبوا على إنتاجهم في «عزلة» و»متعة» و»مهمة» حولت «المنتج الأدبي» إلى اختراع يستحق الجوائز فتحولت الثقافة إلى منتج مبتكر يوازي علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك واعدت له المحافل والمنصات «التكريم» اللازم و»التتويج» الواجب حتى رأينا نجيب محفوظ يخطف نوبل وشاهدنا إنتاج الطيب صالح وجبران خليل جبران وطه حسين وغادة السمان وغازي القصيبي تتجاوز أسوار المألوف وتتعدى أغوار المتوقع لتصل إلى العالمية وتستحل «القلوب» المتيمة بالإبداع لأنها كان «إنتاجات» في جلبات»اختراعات» تستح»الاحتفاء» التاريخي رغماً عن»جغرافية»التضاريس..
عاني الأدب العربي مؤخراً من «شبهات» حقيقية تحولت إلى «اتهامات» أحيانا و»إدانات» غالباً على تمدد «الروتين» الكتابي في رسم»خرائط» الإنتاج الثقافي الأمر الذي جعل»النقاد» ينكصون إلى مراحل سابقة لاستلهام»مقارنة» غير عادلة تنتهي باللوم والتأنيب لأسماء كان ينتظر منها «الاختراع» لنيل منصة «الإبداع» الذي يبقى السمة الأولى والصفة المثلى للتقييم الموضوعي الذي يخرجنا من»عباءة» التقليد وينقذنا من «عبء» التشابه..
ولأن الثقافة ساحة «غناء» و»ابنة» بارة للمعرفة فإنها تحتفي بالمبدعين وتحتفل بالمؤثّرين لذا ظل «الهم الثقافي» هاجساً يعتري قلوب من تتلمذ على أيادي عباقرة العرب من الأدباء واقترف من مشارب المثقفين» الكبار من الوجهاء فقد تشكلت «خطوات» واثقة و»ووثبات» متيقنة نحو العالمية في إنتاج فريد ننتظر أن يبهج العالم ويحصد الإنجاز في مجال القصة والرواية والنقد والشعر على أيدي جيل تربى على «التميز» حتى يحملوا «لواء» الإرث الأدبي ويلبوا «نداء» المجد الإبداعي» حفاظاً على «هوية» معرفية و»حرفية» عالمية لا تقل شأناً عن ابتكارات العلوم الأخرى لان الأدب علم أًصيل يقترن بالاقتدار والابتكار والانتصار ..
ننتظر في هذا العام والأعوام المقبلة أنتاجاً أدبي نخطف به «السبق» فالمنافسات الثقافية منهجية عالمية تبرز «الكفاءة» وتؤصل «الإجادة» وتلتزم بالمعايير وتخضع للمقاييس التي لا يجتازها سوى»الأدب» المقرون بالاختراع والإبداع والإمتاع ..
** **
- أديب وكاتب ومستشار سعودي